في كتابه هذا يقدم الباحث المغربي "محمد بازي" دراسة هامة في التأويل التقابلي باعتباره استراتيجية قرائية لصناعة المعنى يمكن الاشتغال بها لفهم النصوص والخطابات وتفهيمها، فهو مشروع قرائي متعدد الواجهات والمداخل، على مستوى أدوات المقاربة، فهو يوطن غيره من المناهج، يمكنه أن يستفيد من إمكانياتها وتقنياتها التحليلية، كما يقوم على الانفت...
قراءة الكل
في كتابه هذا يقدم الباحث المغربي "محمد بازي" دراسة هامة في التأويل التقابلي باعتباره استراتيجية قرائية لصناعة المعنى يمكن الاشتغال بها لفهم النصوص والخطابات وتفهيمها، فهو مشروع قرائي متعدد الواجهات والمداخل، على مستوى أدوات المقاربة، فهو يوطن غيره من المناهج، يمكنه أن يستفيد من إمكانياتها وتقنياتها التحليلية، كما يقوم على الانفتاح والإبداعية؛ إذ يسمح مع كل قراءة، ومع كل قارئ بظهور مفاهيم جديدة، وأدوات قرائية أو تحليلية، ولكنه ينطلق من أرضية تأويلية واحدة، وهي رصد التقابلات المعنوية تبعاً للعلاقات الموجودة بين الكلمات والجمل والأساليب والضمائر والعلامات والبنيات البلاغية، أو أي عناصر نصية أخرى تفيد في بناء المعنى... من هذا المنطلق يقوم المقترح القرائي في هذا الكتاب على المزاوجة بين التقديم النظري الموجز، والتقريب التمثيلي والتطبيقي المبسط لاستراتيجية التأويل التقابلي؛ وسيلاحظ القراء أن مستويات التناول تختلف من نص لآخر، كما أن المفاهيم الموظفة في القراءة متباينة، وهذه سمة مميزة للتأويل بالتقابلات. ما يريد أن يقوله "بازي": "أن الاختيارات الإنتاجية للخطاب نابعة أساساً من الوجود المتقابل، والمعاني المتقابلة، ثم من العلاقات المتقابلة بين المعاني، وتبعاً لذلك المنطق يحدث فهمها وتأويلها، ثم تفهيمها للآخرين عن طريق التقابل..". يتضمن الكتاب مجموعة من المقاربات التأويلية المرتكزة على آلية التقابل بشكل محوري. حيث حاول الكاتب إعادة بناء معاني سورة الفاتحة الكريمة لإبراز بلاغتها وإعجازها استناداً إلى المقترح القرائي المشار إليه، كما تناول بالمقاربة ذاتها بلاغة الحجاج في كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، وتوسيعاً للاستراتيجية ذاتها، حاول الكاتب تطبيقها على نصين من الشعر: قديم، وهو نص مرثية مالك بن الريب التميمي الشهيرة، وحديث، هو نص "نسر" لعمر أبو ريشة. وقد اكتست المقاربة طابعاً تحليلياً وتقابلياً وتأويلياً، يروم بالأساس التأكيد على فعالية وإجرائية الاستراتيجية المقترحة للوقوف على بلاغة الخطاب الشعري. كذلك تتضمن الدراسة قراءتين تأويليتين للكرامة الصوفية، لمؤَوَّلين مغربيين معاصرين، وهما محمد مفتاح وعبد الفتاح كِليطو. من خلال الوقوف على خطاب التأويل عندهما. كذلك لامس المؤلف بعض الملامح التقابلية في خطاب الحكمة، من خلال نموذج منتقى من كتاب (المحاضرات) للحسن اليوسي. تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه مساهمة هامة في إغناء تجربة القراءة التأويلية بأدوات وإمكانيات تحليلية، تفيد النقد، وتحليل الخطابات، ومجال إقراء النصوص بالحقلين الأكاديمي والمدرسي، عبر الاشتغال بالتأويل التقابلي جزئياً أو كلياً، فالمعاني تُصنع بأبعاد وعلاقات متقابلة، وتتلقى وتفهم كذلك وفق الأبعاد نفسها، وهو ما يؤسس، فيما يعتقد "محمد بازي" لبلاغة تأويلية جديدة...
