كونية الإسلام رؤية للوجود والمعرفة والآخرى تبدى الإسلام فى التاريخ دينًا كونيًّا شاملًا؛ إذ يقيم بنيانه على المبادئ الكلية للعقل الإنسانى، ويتوجه إلى البشر جميعًا، كما يسعى لإنشاء صورة متكاملة للحياة، فلم ينغرس أبدًا فى الأرض مترعًا بالدنيوية، ولم ينزع دوما إلى السماء تهويمًا فى المثالية، بل نهض بمهمة التوفيق بينهما، حيث الشمول ...
قراءة الكل
كونية الإسلام رؤية للوجود والمعرفة والآخرى تبدى الإسلام فى التاريخ دينًا كونيًّا شاملًا؛ إذ يقيم بنيانه على المبادئ الكلية للعقل الإنسانى، ويتوجه إلى البشر جميعًا، كما يسعى لإنشاء صورة متكاملة للحياة، فلم ينغرس أبدًا فى الأرض مترعًا بالدنيوية، ولم ينزع دوما إلى السماء تهويمًا فى المثالية، بل نهض بمهمة التوفيق بينهما، حيث الشمول هنا ضرورة وجودية لا غاية سياسية. ولعل هذا هو ما ألمح إليه المستشرق الكندى المعاصر «ولفرد كانتول سميث» عندما اعترف بأن المسيحية (التقليدية طبعًا) أرجأت تحقيق ملكوت الرب إلى الآخرة، على اعتبار أنه مستحيل التحقيق فى الدنيا؛ لأن الإنسان خاطئ بطبعه، قاصر بطبعه، ولا يمكن أن يستقيم. أما الإسلام، فقد اعتبر تحقيق ملكوت الله مهمة الإنسان الأساسية فى هذه الحياة الدنيا.ويرجع بعض الفلاسفة عنصر «الإيجابية» فى الإسلام إلى التراث اليهودى، ففى تصنيف «هيجل» للأديان اعتبر الإسلام استمرارًا لليهودية المنشغلة بالعالم الأرضى. وقد ذهب «أوزوالد شبنجلر» إلى رأى يشبه هذا عندما قال بأن «كتاب أيوب» هو كتابة إسلامية. غير أن الإسلام يحتوى على عناصر كثيرة غير يهودية تجعل منه تركيبًا جدليًّا بين الدنيوية والمثالية المسيحية والعقلانية الحديثة، وتجسيدًا ممتازًا لرؤية وجودية تُكامل بين عالمى الغيب والشهادة، وهو ما يشير إليه «مرسيا إلياذة» عندما يضع الإسلام على الحافة بين عصر سيادة المسيحية وبين بداية العصر العلمانى الحديث، ما يجعل منه ـ فى تصورنا ـ نقطة التوازن التاريخى على منحنى الجدل الطويل والعميق بين العقل والإيمان.ومن ثم، نجد الإسلام ـ من دون نظرية سياسية خاصة تقلل من قدرته على التكيف التاريخى ـ متوجهًا نحو العالم الخارجى، حائزًا واقعيته فى فهمه للطبيعة، مدركًا لوجود المعاناة الإنسانية، ومؤكدًا على ضرورة النضال ضدها. ومن دون تخل عن روحانيته الخاصة، نجده يدعو إلى تغيير العالم، بل يشغل نفسه بهذه المهمة، باعتبارها المحك الحاسم فى التاريخ، والوظيفة الأساسية للحضور الإنسانى على الأرض...