يستطيع الدين أن يكون جسرًا بين جميع البشر؛ إذ يسهم في تأسيس المثل العليا للضمير الإنساني كالعدالة والخير والتعاطف مع الآخرين. وفي المقابل، قد يصير نصلًا في يد الشيطان؛ إذ يثير الأحقاد ويذكي الصراعات بين أولئك المختلفين في العقائد والمذاهب، أو في الملل والنحل، وذلك عندما يتسم بطابع عنصري، أو يفشل المؤمنون به في تفهم منطقه الخاص، ...
قراءة الكل
يستطيع الدين أن يكون جسرًا بين جميع البشر؛ إذ يسهم في تأسيس المثل العليا للضمير الإنساني كالعدالة والخير والتعاطف مع الآخرين. وفي المقابل، قد يصير نصلًا في يد الشيطان؛ إذ يثير الأحقاد ويذكي الصراعات بين أولئك المختلفين في العقائد والمذاهب، أو في الملل والنحل، وذلك عندما يتسم بطابع عنصري، أو يفشل المؤمنون به في تفهم منطقه الخاص، وتجسيد مثله العليا، ولا يعدو هذا الكتاب أن يكون ضوءًا كاشفًا على هذين الإدراكين للدين: أولهما (رائق) يلهم ضميرنا الإنساني؛ إذ يرى الدين حالة روحانية وجسرًا وجوديًّا، يربط عالم الشهادة بعالم الغيب، يدفع بالروح الإنسانية إلى تجاوز نفسها والتعالي على ضعفها، عبر ذلك الشعور بالتواصل مع المقدس بما يكفله من طمأنينة للنفس، وتسامٍ على الغرائز كالجشع والأنانية والحقد (المدنس)، وتناغم مع المبادئ الأساسية للوجود، على نحو يزيد من اليقين الإنساني بالحضور الإلهي في العالم، وفي العناية الإلهية بالمصير الإنساني على الأرض، وليست تلك العناية سوى الهداية والرحمة والغفران لكل من عرفه، جل شأنه، بأي اسم هو له، وبأي شريعة أنزلها. وثانيهما (زائف) يفسد اجتماعنا البشري؛ إذ يفهم الدين كاستثمار سياسي، كطقس دون اعتقاد، ومظهر دون جوهر؛ حيث يتعرف «مدعي التدين« إلى نفسه كسلب ضروري للآخر، في سياق نفيه والتنكر له إلى درجة استباحة وجوده، وربما الاستمتاع بالرقص على أشلائه. إنه الإدراك الذي حاول الملك البريطاني، والقائد الصليبي الشهير المُكنى «ريتشارد قلب الأسد« استغلاله يومًا في حفز جنوده إلى العدوان علينا فدعاه بـ «الحقد المقدس«، ولم يكن الحقد يومًا مقدسًا، ولن يكون، بل جوهرًا لكل مدنس، ووعاءً لكل شيطان إنساني، يجعل من نفسه أميرًا للانتقام، مدعيًا النطق باسم الله، مبررًا فعله باسم الإيمان، ولا أظنه قد عرف الله فعلًا، أو استنار ضميره بأي إيمان، فالله في كل شريعة صحيحة هو الحق والخير والحب، قبل أي معنى، وبعد كل مغزى.