الكتاب من تحقيق الشيخ شمس العارفين صديقي.يعد القضاء من المهام الخطيرة والمقدسة عند جميع الأمم. هذا ولما للقضاء من خطورة وأهمية فإنّا نجد الشريعة الإسلامية قد عنيت عناية خاصة بأمر القضاء وما يتعلق به من الأحكام والآداب، لأنه أفضل مظهر يتمثل فيه العدل الذي هو أساس الملك، وأقوى دعامة لاستتباب الأمن واستقرار النظام ورقي المجتمع وتقد...
قراءة الكل
الكتاب من تحقيق الشيخ شمس العارفين صديقي.يعد القضاء من المهام الخطيرة والمقدسة عند جميع الأمم. هذا ولما للقضاء من خطورة وأهمية فإنّا نجد الشريعة الإسلامية قد عنيت عناية خاصة بأمر القضاء وما يتعلق به من الأحكام والآداب، لأنه أفضل مظهر يتمثل فيه العدل الذي هو أساس الملك، وأقوى دعامة لاستتباب الأمن واستقرار النظام ورقي المجتمع وتقدم الأمة. فالقضاء ركن من أركان الدولة، ومن أهم مقوماتها، وعليه تقع مسؤولية حماية الأنفس والأعراض والأموال وكافة الحقوق، فهو يحقق الطمأنينة والسلام في المجتمع، فأرست الشريعة الإسلامية دعائم القضاء، ووضعت له من الأسس والمبادئ ما جعله مضرب المثل في العدالة والنزاهة، فكان بحق من أروع النظم القضائية التي عرفتها الإنسانية منذ فجر التاريخ، بل هو أعظمها وأكملها على الإطلاق. وكان النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قد تولى القضاء والحكم بين الناس بنفسه، فأرسى دعائم العدل والإنصاف وأسس دستور القضاء، وأرسل أصحابه قضاة إلى الأمصار، فكان بعضهم يجمع بين الإمارة والقضاء، وبعضهم يختص بالقضاء فقط، ولم يترك الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) قضاته يقضون بما يشاؤون، وإنما أرشدهم ورسم لهم الطريق الذي ينبغي السير عليه وفقه في إحقاق الحق وإبطال الباطل، فضلاً عن علمهم الغزير ومقدرتهم الشخصية. وقد كان القضاء في عهد (صلّى الله عليه وسلّم) ركناً هامّاً من أركان الدولة، وكذلك في عهد الخلفاء من بعده (صلّى الله عليه وسلّم) فإن القضاء في عهدهم استمر على سيرته الأولى يؤتي ثماره. وما زال هذا القضاء يحظى بجانب من الإهتمام والرعاية في مختلف العهود الإسلامية على أسس ثابتة، ونظم مستمدة من قواعد التشريع الإسلامي الذي يهدف الى إصلاح الفرد والمجتمع، وحفظ الحقوق ورد المظالم. وقد كان القضاة في الإسلام يمثلون صفحة مشرقة من صفحات التاريخ الإسلامي اللامع، وكانت أحكامهم ونزاهتهم واستقلالهم وتجرّدهم وعدالتهم مضرب المثل ومحطّ الأنظار. ولو طُبّق نظام القضاء الإسلامي في أرض الله على عباد الله لتعايش الناس بعضهم مع بعض في أمن واستقرار وطمأنينة، وكانت العلاقة بين الأفراد والجماعات قوية ومتينة تسودها المحبة والإخاء، فلا يتعدى أحد على أحد، ويأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم، وأموالهم، وكل ممتلكاتهم، فتزول الأحقاد وتختفي عوامل الشرّ والفساد. وان الدول التي تطبق شرع الله وتلتزم ينظام القضاء الإسلامي نراها في خير ورفاهية وأمن وأمان، ونظراً لأهمية القضاء ومكانته في الشريعة الإسلامية اتجهت رغبة الباحث في تحقيق التراث الفقهي الى أن يكون موضوع رسالته تحقيق كتاب في أدب القضاء، فوقع اختياره على كتاب "أدب القضاء" للسروجي، ومما دعاه أيضاً الى أعمال الجهد في هذا السبيل أن النية اتجهت في بعض البلدان الى تقنين أحكام الشريعة الإسلامية وإحلالها محل القوانين الوضعية كما هو حال باكستان، حيث أن هناك لجاناً شكّلت لهذا الغرض، ولا زالت تعمل في ذاك الميدان. وقد وقع اختيار الباحث على كتاب السروجي هذا لأنه جامع للمشاكل القضائية الكثيرة، ويحتفظ بكثير من النصوص من المصادر المفقودة، ويحتوي على أدب القضاء والقاضي بأسلوب مختصر، فهو من أروع وأنفس ما في التراث الإسلامي الخالد. هذا وان المتخصص في مجال القضاء هو في أمس الحاجة إليه، وقد اعتمد عليه المتأخرون، فاقتبسوا منه نصوصاً عديدة، ولذا فهو جدير بهذا الإعتناء تحقيقاً وإخراجاً. وأما بالنسبة لعمل الباحث، فقد جعل البحث في قسمين: القسم الدراسي، والقسم التحقيقي. ضمّ القسم الدراسي فصلين أحدهما في ترجمة المؤلف والثاني في الدراسة عن "أدب القضاء" أما القسم التحقيقي فقد اشتمل على تحقيق النص من حيث عنونت المسائل الفقهية التي احتواها الكتاب وتخريج الآيات والأحاديث وتوثيق النصوص وإحالة المسائل الى مصادرها وذكر آراء المذاهب الأخرى في المسائل المهمة وترجمة الأعلام والتعريف بمصادر المؤلف.