( شارع بسادة ) ليس مكان مقفلا بقدر ما هو فضاء قدري ملتبس من الحكايات المتجاورة والمتداخلة لا تتفاعل داخل حدود ملموسة وإنما تسافر عبر الكون والزمن متجاوزة حتميتها الاجتماعية لتحقق انتماءها لمشروع الخلق نفسه وعلى هذا تريد أن يتم استيعابها كجزء من النسيج المعتم الأزلي الذي تتشكل منه النوايا الملغزة لهذا المشروع وترتيباته وخطواته ال...
قراءة الكل
( شارع بسادة ) ليس مكان مقفلا بقدر ما هو فضاء قدري ملتبس من الحكايات المتجاورة والمتداخلة لا تتفاعل داخل حدود ملموسة وإنما تسافر عبر الكون والزمن متجاوزة حتميتها الاجتماعية لتحقق انتماءها لمشروع الخلق نفسه وعلى هذا تريد أن يتم استيعابها كجزء من النسيج المعتم الأزلي الذي تتشكل منه النوايا الملغزة لهذا المشروع وترتيباته وخطواته التي يواصلها بإصرار متقن للغاية .اللغة الغنائية في ( شارع بسادة ) لم تكن لمجرد انتاج جماليات غنية من التشكيل السردي تتجاوز الحكي وإنما لأن المحكي عنه أصلا ممتد بين الواقع والحلم .. الغواية حالة تداخل وامتزاج وحشي بين العادي والأسطوري لا تقاربهما اللغة بوصفهما عالمين منفصلين ينبغي الربط بينهما وإنما كعالم واحد تتشارك داخله الصفات والطبائع ولا يسمح بالاستقرار على هويات مختلفة تتباعد أو تتواصل بصلات محددة .. مخلوقات الغواية بالضرورة ليست مجرد أجساد مشروطة بالقوانين المادية وإنما أوعية بشرية تحوي أرواح بدائية وطقوس وأشباح وأصوات من الماضي البعيد .. اللغة بطيعة الحال في ( شارع بسادة ) كانت تكشف طوال الوقت وبتزامن لحظي عن الخلفية الأسطورية للمحكي المحسوس فيظل كيان واحدا متماسكا بأبعاد متنوعة يمثل حزمة دلالات محتشدة وهائلة لا يمكن التنبوء بالحد الذي ستتوقف عنده عن التوالد .ربما يريد ( سيد الوكيل ) أن يخبرنا إذن بأن الغواية هي أكثر ما يعيد إلى ذواتنا أرواحها البدائية الممسوسة بالرغبة بكافة أفراحها وهواجسها وآلامها .. تعيد إلى الحاضر ذاكرته المتخمة بصور ومشاهد حلمية عن أزمنة سحيقة كان الخام النقي للعشق والجمال يطبخ خلالها في طقس أسطوري ستظل روائحه وأصداءه نشطة في دماءنا .. ربما يريدنا أيضا ألا نتوقف عن مساءلة ومحاسبة الملاك والشيطان اللذين بداخل كل منا .. إذا نجحنا في الفصل الحاسم بينهما .. إذا نجحنا في العثور عليهما أساسا .