اتبع الاقتصاد الهندي مساراً فريداً في تطوره خلال العقدين الأخيرين، حتى أصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم؛ فقد اعتمدت الهند على أسواقها المحلية أكثر من اعتمادها على التصدير، وعلى الاستهلاك بدلاً من الاستثمار، وعلى الخدمات بدلاً من التصنيع، وعلى التقنية المتقدمة بدلاً من الأيدي العاملة القليلة المهارة. وبفضل هذا الأسلوب ظل الاقتصاد ...
قراءة الكل
اتبع الاقتصاد الهندي مساراً فريداً في تطوره خلال العقدين الأخيرين، حتى أصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم؛ فقد اعتمدت الهند على أسواقها المحلية أكثر من اعتمادها على التصدير، وعلى الاستهلاك بدلاً من الاستثمار، وعلى الخدمات بدلاً من التصنيع، وعلى التقنية المتقدمة بدلاً من الأيدي العاملة القليلة المهارة. وبفضل هذا الأسلوب ظل الاقتصاد الهندي غالباً في مأمن من التقلبات العالمية، وانخفضت درجة الفوارق في الهند مقارنة بالدول الأخرى. وقد جرى كل ذلك بالاعتماد على قوة الناس والقطاع الخاص، بينما اتسمت الخدمات الحكومية بالتردي. ويعتمد استمرار النهوض الاقتصادي للهند على مواصلة مسيرة الإصلاحات الاقتصادية التي تقودها الحكومة الحالية.وفي المجال الخارجي، ساعد انتهاء الحرب الباردة الهند على تحقيق أهداف استراتيجيتها الكبرى؛ فتمكنت من تحرير اقتصادها، والانفتاح على العولمة، وإعادة صياغة سياستها الخارجية، ودخلت مفاوضات جادة مع الصين وباكستان لتسوية نزاعاتها الإقليمية معهما، مستفيدة من المظلة التي وفرها لها الإعلان عن قدراتها النووية، وذلك لتحرير طاقات الهند السياسية والدبلوماسية والعسكرية لتلعب دوراً أكبر في العالم. وفي جوارها القريب عززت الهند علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الدول والمنظمات الإقليمية المختلفة. أما على المستوى العالمي فتتمتع الهند، ولأول مرة، بعلاقات جيدة مع جميع القوى الكبرى في وقت واحد.وقد تطورت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وبلغت ذروتها مع توصل الدولتين عام 2006 إلى اتفاقية تعترف بالهند بوصفها دولة نووية، دون أن تلزمها بالتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي. ورغم الانتقادات الموجهة إلى هذه "الصفقة"، فإنها حققت للدولتين مكاسب استراتيجية كبيرة؛ فقد اعتُرف بطموحات الهند في أن تصبح دولة كبرى، وكسبت الولايات المتحدة الأمريكية شريكاً استراتيجياً مهماً يساندها في الحد من الطموحات النووية الإيرانية، والتعامل مع احتمالات حدوث مشكلة في باكستان أو انهيار نظام مشرف؛ وفي إحلال الاستقرار في أفغانستان، وموازنة قوة الصين، إضافة إلى المنافع الأمنية والاقتصادية.أما المشكلات المتبقية من زمن الحرب الباردة، فأبرزها النزاع الباكستاني-الهندي على كشمير، رغم أنه لم يؤثر في قدرة الهند على النهوض. ومن وجهة النظر الهندية، فإن أي اتفاق يجب أن ينطلق من افتراض أنه لن تكون هناك أية تغييرات إقليمية. أما مسلمو الجزء الهندي من كشمير فيجب أخذ تظلماتهم في الحسبان دون إعطائهم سيادة إقليمية، كما يجب ضمان حقوق الأقليات العرقية والدينية في الولاية. ويجب أن يركز الاتفاق على جعل خط السيطرة حداً دولياً دائماً، مع السماح للجاليات بإجراء اتصالات عبر الحدود. ومن المتوقع أن يكون المستقبل لصالح الهند؛ بفضل تفوقها على باكستان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.