من خلال متابعتي لمسيرة نبيل سلميان الأدبية أتجرأ على القول، إنه بـ"مدارات الشرق" دخل مرحلة جديدة، تتميز وتمتاز بعدة أوجه. أولها، الجمالية اللغوية... فجاء إبداعه مزدوجاً: في الوعاء وفي المحتوى.الناحية الثانية والأهم هي: العزف على العديد من أوتار الحياة السورية. بذلك أصبح الأديب أقدر على أن يكشف لنا عن مكنون هذه الحياة بصورة أدق و...
قراءة الكل
من خلال متابعتي لمسيرة نبيل سلميان الأدبية أتجرأ على القول، إنه بـ"مدارات الشرق" دخل مرحلة جديدة، تتميز وتمتاز بعدة أوجه. أولها، الجمالية اللغوية... فجاء إبداعه مزدوجاً: في الوعاء وفي المحتوى.الناحية الثانية والأهم هي: العزف على العديد من أوتار الحياة السورية. بذلك أصبح الأديب أقدر على أن يكشف لنا عن مكنون هذه الحياة بصورة أدق وأعمق، لم يكن تلقيها يتحقق دوماً للقارئ دون عناء: شخصيات كثيرة وأحداث كثيرة تسير على خطوط روائية عديدة، كل خط منها يستحق رواية مستقلة. غير أنها كانت كحياة المجتمع، تتدفق مجاريها-بحسب الزمان والمكان- في تواز وتشابك وترافد وتشعب... على هذا لم تكن "مدارات الشرق" رواية تاريخية بمعنى استجلاء ورصد العلاقات المجتمعية في تطورها خلال فترة معينة هي التاريخ الذي لا يكتبه مؤرخ، بل أديب.العلامة الثالثة التي بدت لي في الطريق الأدبية الجديدة لنبيل سليمان هي هذه المهارة في تطوير الشخصيات... أصبح يرسم بالألوان، وإن كانت تتقاتم كألوان رمبرانت. ولا ننسى أنه يتحدث عن عصر وليد، يتزلزل فيه المجتمع ويتقلقز زمناً إلى أن يركن في مستقر جديد. وشخصيات الرواية تعيش في خضم هذه الزلزلات والقلقزات التاريخية، بالتالي يمكن أن نتوقع منها إزاء ذلك كل الاحتمالات في التعامل والتأقلم، بما فيها الانتقال من مظلوم إلى ظالم. إنها واقعية قاسية، لم تراع بعض المرتكزات النفسية للقارئ، لكنها تبقى مع ذلك أقل قسوة من الواقع لا في تأثيره على النفس وقيمها فحسب، بل وعلى الوجود.