يدور هذا الكتاب حول موضوع واحد من موضوعات الأيديولوجية القومية وهو تصور الأمة، ويتناول هذا الموضوع في حدود الفكر العربي الحديث والمعاصر. فهو كتاب في ميدان التأريخ العلمي للتصورات الأيديولوجية. ولما كان هذا الميدان حديث العهد نسبياً، والأبحاث التي تدرس الفكر القومي عند العرب المعاصرين تتكاثر دون تركيز على فكر الأمة على اختلاف معا...
قراءة الكل
يدور هذا الكتاب حول موضوع واحد من موضوعات الأيديولوجية القومية وهو تصور الأمة، ويتناول هذا الموضوع في حدود الفكر العربي الحديث والمعاصر. فهو كتاب في ميدان التأريخ العلمي للتصورات الأيديولوجية. ولما كان هذا الميدان حديث العهد نسبياً، والأبحاث التي تدرس الفكر القومي عند العرب المعاصرين تتكاثر دون تركيز على فكر الأمة على اختلاف معانيها واستعمالاتها، ودون انتظام في خط واحد محدد أو ضمن خطة واحدة معينة، فكان من الضروري أن يبين للقارئ الوجهة التي ينظر منها المؤلف إلى موضوع الأمة والكيفية التي تناوله بها.فالمؤلف لا يعني بتصور الأمة، في هذا الكتاب، تصور الأمة المنطبق على الأمة العربية فقط، وإنما هو يعني أي تصور نظري للأمة، سواء كان مبرراً للأمة العربية وخادماً لما هو أصغر منها أو أكبر. أما مادة التحليل، فإنها تشمل في الدرجة الأولى النصوص التي تطرح تعريفات للأمة، بكيفية صريحة أو ضمنية، مبلورة أو غير مبلورة، وفي الدرجة الثانية النصوص التي تقدم أي عنصر يمكن استغلاله لتركيب تصور معين للأمة.هذه النصوص وتلك كثيرة جداً، ومختلفة جداً فيما بينها من حيث الشكل والمضمون. فمنها ما هو مقالة صحافية، ومنها ما هو كتاب أو فصل من كتاب أو مقطع من فصل. ومنها ما هو محاضرة أو خطاب سياسي أو ميثاق أو دستور حزبي أو دستور دولة أو غير ذلك. ومن ناحية المضمون، بعضها يطرح مقوماً أو عاملاً واحداً تتكون به الأمة، وبعضها الآخر، وهو الأكثر، يطرح جمل عوامل أو مقدمات، دون إجماع أو شبه إجماع على هذه المقدمات أو العوامل، بعضها يتوسع في شرح مفهوم الأمة وعلاقاته بمفاهيم المصطلحات معه، وبعضها الآخر يقتصد في هذا الشرح، أو يكتفي بالتلميح والإيحاء والتضمين.هذا وإن ما أنتجه الفكر العربي الحديث والمعاصر من تعريفات للأمة يتوزع على أربع مجموعات كبرى هي التي ساهمت في تصنيف النصوص في هذا الكتاب. المجموعة الأولى هي مجموعة التصورات الدينية، وهي التصورات التي تجعل من الرابطة الدينية المحدد الأساسي الأول للأمة، والمجموعة الثانية هي مجموعة التصورات اللغوية، وهي التي تجعل من الرابطة اللغوية المحدد الأساسي الأول للأمة. والمجموعة الثالثة هي مجموعة التصورات الإقليمية، وهي التي تجعل من الإقليم الجغرافي المتميز المحدد الأساسي الأول للأمة. والمجموعة الرابعة هي مجموعة التصورات السياسية، وهي التي تجعل من الدولة المحدد الأساسي الأول للأمة.وأما المنهج الذي تمّ اتباعه في تحليل هذه التصورات، فهو يتقاطع مع المناهج المطروحة في العلوم الاجتماعية والسياسية تحت عنوان مناهج تحليل الخطاب، مثل منهج تحليل الخطاب، منهج تحليل المضمون، ومنهج تحليل حقوق الدلالة، ومنهج تحليل مسار البرهنة وسواها. إلا أنه لا يتطابق تماماً مع أي منها. وفي الختام، فقد أراد المؤلف، في بداية مشروعه هذا، تناول جميع الوثائق المتعلقة بتصورات الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر، حتى تأتي الدراسة شاملة، إلا أنه، وفي سياق تنفيذ مشروعه هذا وجد أن طموحه أكبر مما تسمح به الإمكانيات المتاحة لتنفيذه، لذلك تعدل الشمول في دراسته هذه، ليترك الباب مفتوحاً لإمكانية إضافة فصول جديدة حول تصورات للأمة لا تندرج تحت التصورات المذكورة في هذه الدراسة.