يتصدى هذا البحث والذي هو عبارة عن رسالة ماجستير أعدت بإشراف الدكتور عبد القادر فيدوح، ونوقشت في جامعة البحرين لاستنطاق جملة القراءات التي شكلت حول نص فريد في الأدب العربي القديم، وهو مقامات بديع الزمان الهمذاني (348-398هـ). وهو النص الذي ظهر في أواخر القرن الرابع الهجري، وكأنه بدعة أدبية ابتكرت على غير مثال سابق، وتفجرن حوله، من...
قراءة الكل
يتصدى هذا البحث والذي هو عبارة عن رسالة ماجستير أعدت بإشراف الدكتور عبد القادر فيدوح، ونوقشت في جامعة البحرين لاستنطاق جملة القراءات التي شكلت حول نص فريد في الأدب العربي القديم، وهو مقامات بديع الزمان الهمذاني (348-398هـ). وهو النص الذي ظهر في أواخر القرن الرابع الهجري، وكأنه بدعة أدبية ابتكرت على غير مثال سابق، وتفجرن حوله، منذ ذلك الوقت، قراءات متباينة، وتفسيرات متعارضة لطبيعته وسماته وقيمته الجمالية وأسباب ظهوره وعلاقته بخريطة الأنواع الأدبية المتداولة آنذاك.وعلى الرغم من أن هذا البحث يدرس أنماط التلقي التي تشكلت حول مقامات الهمذاني في مجال ثقافي محدد. وهو مجال ينطوى على شروط تاريخية خاصة، وضمن حدود ومنية معينة، تمتد على مدى قرن ونصف أو يزيد (من عصر النهضة والإحياء إلى الوقت الراهن، على الرغم من ذلك فإن مؤلف هذا البحث لم يجد مناصاً من التعرض لردود الفعل المبكرة التي دارت حول مقامات بديع الزمان منذ أواخر القرن الرابع الهجري، وسواء جاءت من جهة بديع الزمان نفسه بوصفه القارئ الأول لنصه، أم من جهة معاصرية من خصومه، وأصحابه، وذلك ليتسنى له الإحاطة بنوع العلاقة التي انعقدت بين التلقي العربي الحديث، وبخاصة التلقي الإحيائي، وبين تلقي الهمذاني ومعاصريه ومن جاء بعدهم.وعلى هذا الأساس قسم الباحث دراسة إلى مدخل وثلاثة فصول: حاول المدخل أن يؤسس تصوراً متميزاً لفعل القراءة والتلقي، من حيث هو ممارسة جماعية تتحدد بالشروط التاريخية وآفاق الانتظار التي تحيط بها، كما يترتب عليها مصير النص المقروء وقيمته. ومن أجل بلورة هذا التصور أفاد المدخل من جمالية التلقي والدراسات المشدودة إلى القارئ، كما هي عند "هانز روبرت ياوس"، "وفولفغانغ إيزر" "وستانلي فيش"، كما حاول هذا المدخل أن يفتح جمالية التلقي التي عينت بالتفاعل والتواصل بين النص والقارئ.وأما الفصول الثلاثة فتدور مجتمعة حول أنماط التلقي التي تشكلت حول مقامات بديع الزمان الهمذاني في النقد العربي الحديث: يتصدى الفصل الأول، وعنوانه "تشكيل أفق الانتظار: التلقي الإحيائي لمقامات بديع الزمان"، لمجمل القراءات التي شكلت نمط التلقي الإحيائي لمقامات بديع الزمان، وعلاقة هذا النمط بأفق الانتظار الأول الذي شكله القراء الأوائل لمقامات بديع الزمان لحظة ظهورها في أواخر القرن الرابع الهجري.أما الفصل الثاني وعنوانه "كسر أفق الانتظار: التلقي الاستبعادي لمقامات بديع الزمان" فقد دار حول نمط التلقي الاستبعادي الذي يمثل حالة انقطاع شبه جذرية عن نمط التلقي الإحيائي الذي كان عرضة للمعارضة والتشويش على ذوقه ومعاييره الجمالية وأعرافه القرائية بصورة عنيفة نادرو الحدوث في تاريخ التلقي العربي الحديث. وأما الفصل الثالث: وعنوانه "تعديل أفق الانتظار: التلقي التأصيلي لمقامات بديع الزمان"، فإنه يتوقف عند نمط التلقي التأصيلي، وأثره في إعادة الاعتبار للمقامات، وفي تعديل أو تصحيح أفق الانتظار الذي تعرض للكسر والتحطيم مع نمط التلقي الاستبعادي السابق، حيث المقامات هنا يعاد تصنيعها من جديد، وبصورة تتناسب مع أفق أولئك القراء الذين كانوا يقرأون المقامات وهم مدفوعون برغبة شديدة في الانتصار لها وللتراث العربي وللذات العربية.