1. العقد هو أهم تصرف إرادي يقوم به الإنسان في حياته، وعن طريق العقود تتم المعاملات بين الأفراد، ويتحقق النشاط في المجتمع، إذ أنّ عقود الأفراد من الكثرة بحيث يصعب في الواقع حصرها، فهم في علاقاتهم بعضهم ببعض ينشئون ما شاؤوا من العقود بما يسد حاجتهم، وينظم علاقاتهم، ولا شك أنّ كل فرد يسعى إلى الربح، وتحقيق مصلحته. ونظراً لأنّ العقو...
قراءة الكل
1. العقد هو أهم تصرف إرادي يقوم به الإنسان في حياته، وعن طريق العقود تتم المعاملات بين الأفراد، ويتحقق النشاط في المجتمع، إذ أنّ عقود الأفراد من الكثرة بحيث يصعب في الواقع حصرها، فهم في علاقاتهم بعضهم ببعض ينشئون ما شاؤوا من العقود بما يسد حاجتهم، وينظم علاقاتهم، ولا شك أنّ كل فرد يسعى إلى الربح، وتحقيق مصلحته. ونظراً لأنّ العقود تبرم بين طرفين فيفترض أنّها تحقق العدل لكل منهما، وهكذا يسير التعامل بين الناس، إلا أنّ الأمور لا تسير هكذا، وخاصة في عقود المعاوضة التي يحكمها قانون العرض والطلب، فقد يدفع المتعاقد ثمناً يزيد على قيمة السلعة موضوع العقد زيادة تفوق قيمتها الحقيقية، أو أقل بكثير من قيمتها، ومن هنا يظهر الاختلال بين الأداءات المتقابلة في العقد الذي هو جوهر الغبن. والغبن مشكلة قانونية اجتماعية من المشاكل المعقدة كانت ولا زالت ميداناً واسعاً للمناقشة واختلاف وجهات النظر، لأنها تقوم على اعتبارات اجتماعية، وخلقيّة، واقتصادية، غير ثابتة، قابلة للتطور القانوني السائد في بلد من البلدان، وفي عصر من العصور، ولم يستطع الفقهاء الذين عالجوا هذا الموضوع الوصول إلى حلٍ مرضٍ بل انقسموا إلى فريقين أحدهما ينادي بالأخذ بفكرة الغبن في العقود، والآخر رافض لها، بل إن التشريعات المختلفة التي اخذت بهذه النظرية اختلفت في الحلول التي توصلت إليها. فإذا ما ساد المذهب الفردي وما ينادي به من سلطان الإرادة في العقد، فالقانون لا يأخذ الغبن بعين الاعتبار، فالأفراد عند أصحاب هذا المذهب هم جوهر القانون وغايته، فهم أحرار في التعاقد، وفي ترتيب ما يشاؤون من آثار على العقود التي يبرمونها، فإذا ما وقع على أحد المتعاقدين غبن فإنه هو الذي ارتضاه بإرادته، وما دامت إرادته لم يشبها عيب، فعليه احترام العقد الذي أبرمه، وأنّه ليس للقانون من وظيفة إلاّ حماية هذا الحق وتمكين أصحابه من التمتع به. فإذا ما تطور المجتمع وحلّت مذاهب التضامن الاجتماعي محل المذهب الفردي تدخل القانون لمنع الغبن، ومد يد المساعدة للضعيف وحمايته من استغلال القوي له، وأجاز إبطال العقد الذي لحقه فيه غبن. وأما في الفقه الإسلامي حيث يراعي إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة؛ فهو يقدم مصلحة الفرد حيث يقتضي العدل والحق تقديمها، كما يقدم مصلحة الجماعة حيث يستلزم العدل والحق تقديمها، وأنّه أمام ذلك، وأمام مبدأ الحريّة التعاقديّة في الفقه الإسلامي، فقد وضع قيوداً عليها طالما فيها تعد على حقوق الغير، أو مخالفة لأمر الشارع، فأجاز للإرادة أن تشترط ما شاءت من الشروط في العقد إلا شرطا أحل حراماً، أو حرم حلالاً، فالفقه الإسلامي يولي اهتماماً بإقامة العدل في العقد عن طريق تحقيق المساواة التامة، والتوازن بين المتعاقدين.