في سنة كذا وعشرين كان جدي قد ترك مدينة قوص خلفه وتوغل مع رفاق رحلته في بطن جبال الصحراء الشرقية، وعندما ترنحت شمس اليوم الخامس تبغي الغروب، كان الممر الوحيد الذي يسيرون فيه قد أصبح عشرة ممرات، وتاهت العيون وثاغت الابل وتهدجت الأنفاس حينما همس جدي لأقرب رفيق (لقد تهنا) فلم يتمالك الرفيق نفسه فبكى بطريقة محرجة، وتسلل بكاؤه إلى الآ...
قراءة الكل
في سنة كذا وعشرين كان جدي قد ترك مدينة قوص خلفه وتوغل مع رفاق رحلته في بطن جبال الصحراء الشرقية، وعندما ترنحت شمس اليوم الخامس تبغي الغروب، كان الممر الوحيد الذي يسيرون فيه قد أصبح عشرة ممرات، وتاهت العيون وثاغت الابل وتهدجت الأنفاس حينما همس جدي لأقرب رفيق (لقد تهنا) فلم يتمالك الرفيق نفسه فبكى بطريقة محرجة، وتسلل بكاؤه إلى الآخرين فضربوا كفاً بكف ومكثوا عدة ساعات يطلبون من الله العلي أن يهديهم سواء الطريق ولا سيما أنهم كانوا في طريقهم لزيارة بيت الله المحرم وقبر نبيه الكريم.وخلال خمسة أيام رهيبة أخرى أرهق الرجال ووهنت الإبل، وضعفت النفوس، وتهتك أمل الحج ولم يبق داخل القلوب سوى أمل واحد أن يجدوا أي طريق يصل بهم إلى أي مكان، ولكن جدي كان قوياً فنذر - وقال سراً - بأنه في حالة إنقاذه مما هو فيه فسوف يبني لله مسجداً لا يوجد مثله في قريته وإذ به بعد ساعات - مع رفاقه - على حدود مدينة قوص نفسها.