الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:فهذه مجموعة من الحلقات التي قدّمتها عبر أثير إذاعة حياة إف إم، في برنامج"اشراقات من السنّة النبوية"، تناقش قضايا وأفكار معاصرة في السنّة وعلومها ، وكانت تصل البرنامج رسائل من الأخوة المستمعين والأخوات المستمعات ، إضافة لاتصالات هاتفية تتضمّن اقتراحات عديدة لطباعة...
قراءة الكل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:فهذه مجموعة من الحلقات التي قدّمتها عبر أثير إذاعة حياة إف إم، في برنامج"اشراقات من السنّة النبوية"، تناقش قضايا وأفكار معاصرة في السنّة وعلومها ، وكانت تصل البرنامج رسائل من الأخوة المستمعين والأخوات المستمعات ، إضافة لاتصالات هاتفية تتضمّن اقتراحات عديدة لطباعة هذه الحلقات في كتاب يتداوله الجميع ، لعموم الفائدة التي لمسوها من البرنامج، وكنت حينها أحيلهم إلى مصدر هذه المادة وهي: كتاب "كيف نتعامل مع السنّة النبوية: معالم وضوابط" للعلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى، وأبحاثه القيمة الأخرى مثل: "المدخل لدراسة السنة النبوية"، و"السنّة مصدراً للمعرفة والحضارة"، و"الجانب التشريعي في السنة النبوية".وكلنا يعلم أنّ السنة النبويّة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وهي المنهاج التفصيلي لحياة الفرد المسلم والمجتمع المسلم، لذا كان واجب المسلمين أن يعرفوا كيف يحسنون فهم هذه السنّة ، وكيف يتعاملون معها.إنّ أزمة المسلمين الأولى في هذا العصر هي أزمة فكر، وتتمثل أزمة الفكر اليوم في أزمة فهم السنّة والتعامل معها. ولمّا وجدت سوء فهم البعض للسنّة، رغبت- من خلال هذا الجهد المتواضع- أن أصحح هذه المفاهيم المغلوطة عند البعض، لإزالة الكثير من الإشكالات والتصورات الخاطئة عن السنّة والحديث الشريف، فكان هذا الكتاب، يوضح للقارئ الكريم كيف يمكن أن يُفهم النصّ النبوي، وما هي المبادئ الأساسية للتعامل مع أحاديث الرسول r؟ وكيف يتعامل مع المشكل منها؟إذ أنّ هناك من يحاول إعمال عقله في النصوص النبوية الصحيحة الثابتة، وهناك من يحاول إنكار السنّة النبوية أو إنكار بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة التي دُوّنت في أصح كتاب بعد كتاب الله وهو كتاب صحيح البخاري الذي تلقّته الأمة بالقبول عبر عصورها المتعاقبة.وقد بيّنت في هذا الكتاب أنه لا يصحّ أن نقف من الحديث الصحيح موقف المهاجم بمجرد استشكاله علينا، أو عند عدم مقدرتنا على فهم معناه، وعلينا أن نفهم النصّ النبوي وفق دلالات اللغة.كما استعرضت مجموعة من الآفات التي تتعرّض لها السنّة في هذا العصر: كأن يتسرع بعض الناس في ردّ الحديث الذي ثبتت صحته عند العلماء، بدعوى أنه يتعارض مع العقل أوالعلم، أوالتعجل في إصدار الحكم على الحديث دون الرجوع إلى أهل العلم والاختصاص، أو عدم التأني والتحري والتدقيق في فهم السنّة.من الآفات التي تتعرّض لها السنّة في هذا العصر أن يقرأ أحد المتعجلين حديثاً صحيحاً.. فيردَّه لأنه لا يتوافق مع عقله. نعم يتسرع بعض الناس في ردّ الحديث، الذي ثبتت صحته عند العلماء، بدعوى أنه يتعارض مع العقل. فلو ترك الأمر لعقول الناس لأصبحت الأمور فوضى ولأصبحت السنة النبوية في مهبّ الريح، حيث تجد شخصاً يثبت حديثاً لأنه يوافق عقله وهواه وذاك يرده.إن الحديث الذي لا يقبله العقل مردودٌ بلا شك.. لكن من الذي يقرر أنّ هذا الحديث يرفضه العقل؟ وإنّ إعطاء هذا الحق لكل من هبّ ودبّ من الناس غير مقبول شرعاً ولا عقلاً، وإنما يجب أن يُعطى هذا للثقات من أهل الاختصاص.عند التعامل مع السنّة لا بد من التفريق بين الحقيقة والمجاز، وإن إغلاق باب المجاز في فهم الأحاديث والوقوف عند المعنى الأصلي الحرفي للنصّ سيعرّض أحاديث كثيرة للشك والارتياب، إذا أُخذ الكلام على ظاهره.إن إغفال التفريق بين المجاز والحقيقة يوقع في كثير من الخطأ ومجانبة الصواب، لهذا اشترطت الشريعة في المجتهد أن يكون عالماً بالعربية علماً يمكنه من فهم دلالتها المختلفة. نعم إذا استطعنا أن نحمل الأحاديث التي تستشكل علينا على المعنى المجازي، زال الإشكال، وأصبح المعنى واضحاً.. وبان المراد من الحديث.إذن لا يصح أن نتجاهل المعنى المجازي المراد من الحديث والذي يفهمه كلُّ من يتذوق اللغة العربية، فمن الواجب علينا لكي نفهم السنّة النبوية، ولكي نحسن التعامل معها، ولكي نفهم حديث رسول الله r أن نفرق بين الحقيقة والمجاز؛ لأن من المجازفة ردّ الحديث الصحيح مع إمكانية تأويله، وإن من المكابرة التسرع بردّ الحديث الذي ثبتت صحته عند العلماء.فمن قرأ حديثاً صحيحاً وأشكل عليه معناه فلا يصحّ أن يردّ الحديث، والصوابُ أن يُردَّ العلمُ إلى أهله وأصحابه أيّ العلماء وأهل الاختصاص.نريد أن نتعلّم أن لا نستعجل في إصدار الحكم عند استشكال الأحاديث علينا أو عند الخطأ في فهم معناه فنحن بحاجة إلى التأني والتحري والتدقيق في فهم السّنة والنصِّ النبويّ، والرجوع إلى مصادرها وأصولها.. لمعرفة المراد منها.. وأشدُّ ما تتعرّض له النصوص خطراً هو سوءُ التأويل لها، بمعنى أن تُفسّر تفسيراً يخرجها عما أراد الله تعالى ورسولُه بها، إلى معان أُخر يريدها المؤولون لها. فالتأويل- كما نعلم- له ضوابطه وقواعده في الشرع وفي اللغة. ومن المزالق والمحاذير في فهم السنّة النبويّة التي بيّنتها: وضع النصّ في غير موضعه الصحيح. ومن هذه الأخطاء –كذلك- تفسير الحديث بعيداً عن الملابسات والظروف التي جاء فيها النص .كما استعرضت المنهج الصحيح في قراءة أحاديث الفتن وأشراط الساعة، وبينت أن المنهج العلمي في التعامل مع السنّة النبوية هو عدم الخوض في أمور الغيب، والتسليم بما صحّ عن رسول الله r. كما رأيت أن أخصّص بعض حلقات البرنامج عن الأخطاء اللغوية في ضبط ألفاظ السنّة النبويّة، وما شاع من اللحن والخطأ من أحاديث النبي r على ألسنتِنا وأقلامِنا. وقد حشدت في حلقات البرنامج أمثلةً شتى على ذلك.وقد أكّدت على أنه لا ينبغي لمسلم أن يحتجّ بأحاديث قبل التثبت من صحتها أو السؤال عنها، كما أن الاكتفاء بظاهر حديث واحد دون النظر في سائر الأحاديث وسائر النصوص المتعلقة بموضوعه، يُوقع في الخطأ، ويُبعد عن جادة الصواب وعن المقصود الذي سيق له الحديث، وضربت أمثلة عدة للتمييز بين السنّة التشريعية وغير التشريعية، وأكّدت أنّ كل ما قاله الرسول r يعدّ وحياً ما لم ترد قرينة كافية تدل على أنه رأي منه، وذكرت أنّ هذا هو عمل أهل الاختصاص والمحققين من علماء الحديث.وقد لقيت تشجيعاً على إصدار هذا الكتاب من الإعلامي القدير الأستاذ محمد عبدالسلام الصرايرة المدير العام لإذاعة حياة إف إم، الذي اقترح عليّ بداية أن أقدّم مادة البرنامج بأسلوب سهل غير مطوّل ، وأن تكون حلقاته غنية بالأمثلة والشواهد ما أمكن، لتناسب مختلف الفئات، لذلك آثرت تبسيط الموضوعات وتيسير العرض، والنأي عن التعقيد في الأسلوب، بغية الوصول للهدف المنشود والغاية النبيلة.ولا بدّ لي أن أذكر أنني عشت ساعات جميلة وسعيدة في حياتي وأنا أتلقى أسئلة واقتراحات المستمعين والمستمعات، وتفاعلهم مع هذا البرنامج، الذي أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يكون ابتغاء وجهه تعالى، ثمّ دفاعاً عن سنّة رسول الله r.وفي الختام لا يفوتني أن أنبه إلى أن أعمال البَشر يعتريها الخطأ والنسيان ، فإن وفقت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، ولا يستغني أحد عن التسديد والنصيحة والتوجيه، ولا يستقيم أمره إلا بتوفيق مولاه، فنسأل الله التوفيق والسداد، والعون والرشاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.