كان للأمير فيصل علاقات وطيدة مع الكثيرين من زعماء شرقي الأردن ومشايخها، ويعود ذلك إلى أن شرقي الأردن كانت تشكل الجزء الجنوبي من حكومته، وهذا يتطلب منه توثيق علاقته مع زعماء البلاد لضمان تأييدهم له ومساعدته في إدارة دفة الحكم بكل يسر وسهولة، كما ترجع صلاته وصدافته بالكثيرين من زعماء البلاد إلى أيام الثورة العربية الكبرى، فهم الذي...
قراءة الكل
كان للأمير فيصل علاقات وطيدة مع الكثيرين من زعماء شرقي الأردن ومشايخها، ويعود ذلك إلى أن شرقي الأردن كانت تشكل الجزء الجنوبي من حكومته، وهذا يتطلب منه توثيق علاقته مع زعماء البلاد لضمان تأييدهم له ومساعدته في إدارة دفة الحكم بكل يسر وسهولة، كما ترجع صلاته وصدافته بالكثيرين من زعماء البلاد إلى أيام الثورة العربية الكبرى، فهم الذين حاربوا معاً جيوش الترك في العقبة ومعان وجرف الدراويش والطفيلة، ودخلوا دمشق مع جيوش الفاتحين ورفعوا راية العرب خفاقة في سماء دمشق.كما شكل الأردنيون مع إخوانهم الفلسطينيين غالبية لواء الفتح، واللواء الأموي، واللواء الهاشمي في جيش الثورة العربية، وكان لمشاركتهم في معارك الثورة الأثر الكبير في قطف الإنتصارات على الأتراك وطردهم من البلاد العربية ومن الرجالات الذين شاركوا في الثورة وعرفهم فيصل: الشيخ عودة أبو تاية، حمد بن جازي، مثقال الفايز، عضوب الزين، علي خلقي، محمد علي العجلوني... وشاركت في الثورة عشائر الحويطات وبني صخر وعشائر الطفيلة ومعان... ولولا مشاركة الأردنيين الحاسمة في معارك الثورة لما حققت أهدافها وإنتصاراتها ولتراجعت إلى الصحراء وأخفقت كل قطف ثمار النصر.لذلك، ظل الشريف حسين والأمير فيصل والأمير زيد يكنون كل إحترام وتقدير إلى عشائر وزعماء وشيوخ الأردن الذين ساهموا في الثورة العربية الكبرى، وشارك الأعضاء الأردنيين في المؤتمر السوري العام في كافة جلساته ومقرراته وأعماله، وشغل عدد من أبناء الأردن وظائف عسكرية وإدارية بارزة، إلا أنهم لم يشاركوا في تقلد مناصب وزارية في الحكومة العربية، ويعود ذلك إلى قلة أصحاب الشهادات العليا من أهالي الأردن، لأن البلاد كانت غارقة في بحر من الفوضى والإضطراب والجهل أيام الحكم التركي، واقتصر التعليم العالي على بعض أبناء زعماء العشائر التي كانت الدولة التركية ترسلهم إلى مدرسة العشائر في الآستانة أو إلى مدرسة عنبر بدمشق، بينما تقلد المناصب العليا شخصيات عربية من سورية ولبنان وفلسطين والعراق والحجاز، ولم يفرق بينهم إلا الدين، أو الطائفة أو العرق، فشارك فيها المسيحي بجانب المسلم، ووقف الكردي والشركسي والدرزي بجانب أخيهم العربي لا تميّز بينهم إلا بمدى حبهم للحرية والإستقلال والوحدة، وكانت الحكومة الفيصلية حكومة قومية تسمو على نوازع الفرقة والتعصب، وهذا ما أراده لها مؤسسها الأمير فيصل عندما قال على رأس الأشهاد: "الدين لله... والوطن للجميع".ومهما يكن من أمر، فإن تاريخ شرق الأردن في العهد الفيصلي هو تاريخ لم يلق إهتماماً كبيراً من قبل المؤرخين، إذ لم يفرد له أحد كتاب، بل جاءت بعض المعلومات في عدة مقالات وفصول في ثنايا كتب التاريخ لتلك الفترة، من أبرزها "تاريخ الأردن في القرن العشرين" لمنيب الماضي وسليمان الموسى، وهناك مقال بعنوان "أمير اللواء علي خلقي الشرايري"...أما جريدة العاصمة الرسمية التي كانت تصدر بإسم الحكومة الفيصلية بين عامي 1919- 1921 ففيها معلومات وأخبار وأنباء غزيرة عن هذه الفترة.من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يشكل محاولة جادة للتأريخ لشرقي الأردن في العهد الفيصلي بين العام 1918 والعام 1920، حيث تعتبر هذه الفترة من الفترات التاريخية الحرجة التي مر بها الأردن الحديث في بداية القرن العشرين حيث تناول المؤلف هذه الفترة التاريخية لشرق الأردن بالدرسة والتحليل من خلال منهج موضوعي، وبالإعتماد على مراجع ومصادر ووثائق تاريخية، خصص لها ملحقاً في آخر الكتاب.