تطرح الأبحاث التي تضمها هذه الدراسة سؤالاً تتعذر الإجابة عليه بصورة قاطعة وجازمة. وهو السؤال التالي: هل هناك من علاقة مباشرة وصريحة بين الكتاب الديني اليهودي الذي يعرف بـ"التلمود" وبين الفكرة الصهيونية التي قامت عليها حركة ثيودور هرتزل السياسية؟ أو بصيغة أخرى للسؤال: هل تمتد جذور الدعوة الصهيونية إلى التلمود لتستمد مقوماتها من ت...
قراءة الكل
تطرح الأبحاث التي تضمها هذه الدراسة سؤالاً تتعذر الإجابة عليه بصورة قاطعة وجازمة. وهو السؤال التالي: هل هناك من علاقة مباشرة وصريحة بين الكتاب الديني اليهودي الذي يعرف بـ"التلمود" وبين الفكرة الصهيونية التي قامت عليها حركة ثيودور هرتزل السياسية؟ أو بصيغة أخرى للسؤال: هل تمتد جذور الدعوة الصهيونية إلى التلمود لتستمد مقوماتها من تعاليمه وتنمو في تربته الخصبة؟ أم أن الصهيونية والتلمود يقفان على طرفي نقيض، ولا سبيل إلى الجمع والتوفيق بينهما، سواء كان الأمر يتعلق بالنظر إلى الموضوع من زاوية إطاره التاريخي أو بطرحه على صعيد النظر المجرد.وللإجابة على هذا السؤال جرى تقسيم الدراسة على النحو التالي: القسم الأول: يأتي بمثابة المقدمة التي تطرح على نفسها السؤال: هل ينبغي الاهتمام بدراسة التلمود؟ ولماذا؟ إن هذه المقدمة تتناول الموضوع من زاوية بعض الآراء السائدة عن التلمود في الكتابات العربية بنوع خاص. ثم تحاول إرجاع "النظرة العربية" الشائعة إلى مصادرها الأصلية والثانوية، لكي تكشف عن أخطائها وسقطاتها وتبين لها ضرورة الالتزام بموقف "محايد" إزاء أمور ومسائل لا تعرض عنها سوى القليل.القسم الثاني: يحاول هذا القسم تكوين "مدخل إلى التلمود" فيبدأ بطرح السؤال التقليدي: ما هو التلمود؟ ثم يتحدث عن تاريخ هذا الكتاب الديني لجهة أصله، ونشأته، والظروف البيئية التي أدت إلى جمعه وتصنيفه وتدوينه. وينتقل إلى شرح الملابسات التي أحاطت بظهور كل من التلمودين: التلمود البابلي والتلمود الأورشليمي، ويعرض لحقيقة السيطرة الدينية والتاريخية التي استتب أمرها منذ مطلع القرن السادس للميلاد حتى بروز الحركة الإصلاحية في أوائل القرن التاسع عشر. علاوة على ما تقدم يحاول هذا المدخل إعطاء فكرة وافية عن أقسام التلمود وتبويبه، إلى جانب التعريف بالمسائل والموضوعات التي تتناولها أسفار الكتاب مقالاته، والأجيال المتلاحقة من الفقهاء والعلماء والشرّاح والمفسرين الذين شاركوا في إيصال التلمود إلى صيغته المعروفة.القسم الثالث: يتناول هذا القسم السؤال الذي تطرحه الدراسة حول الصهيونية والتلمود، فيدخل في صميم الموضوع بصورة مباشرة لكي يبحث عن الارتباط الذي يشد الصهيونيين إلى تعاليم التلمود. ويتساءل عن مدى العلاقة التي تربط بين مؤسس الصهيونية السياسية من جهة والتصورات التلمودية من جهة ثانية. كما يشمل البحث عن تلك العلاقة نفراً من الدعاة الصهيونيين الذين ظهروا قبل ثيودور هرتزل أو عاصروه وناصروا دعوته فيما بعد.خاتمة البحث: تنتقل الدراسة في هذا القسم الأخير إلى مرحلة استخلاص بعض النتائج المترتبة عهما تقدم، لكي تستكمل تلك الأبعاد والمعطيات الكفيلة بإلقاء المزيد من الضوء على السؤال المطروح في مستهلها. فهي تعاود الكرة من جديد لتطرح الأسئلة التي لا تزال عالقة: عن الجذور التلمودية للصهيونية بمعزل عن النشأة التلمودية لكبار زعماء الدعوة والحركة ومفكريها البارزين، وعن الدوافع والبواعث الدينية الكامنة وراء "عقدة التوسع الإسرائيلي". هذا بالإضافة إلى مكانة التلمود ودوره في الحياة الدينية والاجتماعية داخل إسرائيل.