تتناول هذه الدراسة التاريخ السياسي للدولة الصفوية في إيران. والواقع أن تصور الماضي وتمثله أمر تكتنفه الصعاب ليس لمجرد تضارب المعلومات التاريخية أو قلتها، ولكن لأن إعادة بناء التاريخ هو عمل سياسي بالدرجة الأولى، فالجدل حول إمكان كتابة التاريخ الصفوي الذي قام على مرتكزات سياسية ومذهبية اتصفت بالآحادية ما يجعل مهمة الباحث على شيء م...
قراءة الكل
تتناول هذه الدراسة التاريخ السياسي للدولة الصفوية في إيران. والواقع أن تصور الماضي وتمثله أمر تكتنفه الصعاب ليس لمجرد تضارب المعلومات التاريخية أو قلتها، ولكن لأن إعادة بناء التاريخ هو عمل سياسي بالدرجة الأولى، فالجدل حول إمكان كتابة التاريخ الصفوي الذي قام على مرتكزات سياسية ومذهبية اتصفت بالآحادية ما يجعل مهمة الباحث على شيء من الصعوبة، فالمصادر الفارسية الخاصة بهذا التاريخ لا تزودنا بصورة كاملة عنه لأنها تنظر إليه بعين واحدة قلما نصادف فيها شيئاً إلا الإغراق في مدح شخصياته والثناء عليهم، أما المصادر المقابلة فهي وإن كانت أكثر نقداً إلا أنها أقل مادة تاريخية.وتعد الدولة الصفوية إحدى الدول السلطانية التي قامت في المشرق الإسلامي عبر عصوره، ونموذجاً واضحاً للدولة المذهبية في العصر الحديث، وهي دولة شيعية على المذهب الإثني عشري تأسست في إيران وانطلقت منها للتوسع في الشرق والغرب باتجاه خراسان وأفغانستان وأذربيجان والعراق وديار بكر، وبلاد الكرج في الشمال.والواقع أن الإيرانيين في العالم الإسلامي، شكلوا كتلة تباينت من حيث المذهب الديني الخاص بها عن الكتلة الإسلامية التي تمثل جمهور المسلمين، لكن الإيرانيين يفخرون بالدولة الصفوية لأنها أعادت وحدة إيران السياسية بعد مدة طويلة من التردي السياسي والاجتماعي.إن ظروف ظهور هذه الدولة نشأ نتيجة تفتت الإمبراطورية التيمورية حيث كانت إيران تعامي فوضى الانقسام بين ملوك ضعاف، وقد اتفق اعتلاء السلالة الصفوية العرش في إيران مع فاتحة القرن السادس عشر الميلادي.إن أصل السلالة الصفوية من أذربيجان وتنتسب إلى الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي وهو تركي سني على مذهب الإمام الشافعي وشيخ طريقة صوفية، انتقل إلى إردبيل في شمالي إيران، ومن هذا الاسم صفي الدين أخذت السلالة اسمها، السلالة الصفوية، ويصل مؤرخو عصره نسبه إلى الإمام موسى الكاظم.اعتنق أحد أحفاد الشيخ صفي الدين، وهو الشيخ جنيد، المذهب الشيعي الاثني عشري، وترتب على ذلك أنه رفض الاعتراف بسلطة الأمراء المسلمين السنة، وراح يعمل على بث مذهبه في الولايات المجاورة، فالتف حوله عشرات الآلاف من التركمان الشيعة في الأناضول، وقد تمت على يديه الانعطافة الكبرى في تحول الحركة الصفوية إلى حركة شيعية بعد أن تهيأ لها الجو السياسي بتفتت الإمبراطورية التيمورية بعد وفاة شاه روخ.استندت هذه الدراسة على مصادر ومراجع متنوعة يراها القارئ في ثبت المصادر والمراجع.أما تشكيل الموضوعات، فقد قسمه على ثمانية فصول: عالج الفصل الأول أوضاع إيران السياسية قبل قيام الدولة الصفوية، وقد تناوعت على أرضها دول عدة عبر تاريخها الوسيط كان آخرها دول التيموربين والقرة قوينلو والآق قوينلو، ما جزأ البلاد وعرضها لأشد أنواع التدمير والخراب، فتطلع الإيرانيون إلى ظهور مخلص ينتشلهم من الفوضى ويعيد إلى بلادهم وحدتها.وتطرق الفصل الثاني إلى ظهور الأسرة الصفوية وارتقائها. ظهرت هذه الأسرة في أردبيل بأذربيجان، وتنتسب إلى الشيخ صفي الدين إسحاق، وهو صوفي على مذهب الإمام الشافعي، وتخصص شيوخها بالوعظ والإرشاد. وتحولت هذه الأسرة في عهد أحد شيوخها وهو الجنبيد إلى المذهب الشيعي الاثني عشري بتأثير الأوضاع السياسية والدينية التي كانت سائدة في المنطقة آنذاك. وقامت الأسرة على أكتاف القبائل التركمانية الشيعية التي كانت تسكن ربوع الأناضول.وخصص الفصل الثالث لدراسة شخصية مؤسس الدولة الصفوية الشاه إسماعيل الأول وبينت جهوده في تأسيسها وتوسعها، وتطرقت إلى علاقاته مع جيرانه الأوزبك في الشرق العثمانيين في الغرب التي اتسمت بالعدائية بفعل الاختلاف المذهبي ومحاولة الشاه التوسع على حسابهما. وتمحورت علاقة الشاه مع الأوروبيين حول إقناعهم بمساعدته ضد أعدائه.وشكل الفصل الرابع سجلاً دونت فيه أحداث التاريخ الصفوي من خلال ثلاث شخصيات تعاقبت على حكم الدولة وهي: طهماسب الأول وإسماعيل الثاني ومحمد خدابندة. وقد شغل الاضطراب السياسي في عهودهم حيزاً واسعاً من التاريخ الصفوي بفعل التنازع على السلطة والذي كان يؤدي إلى التخلص من كل منافس على العرش من أفراد الأسرة الحاكمة. وقد سلك هؤلاء الملوك النهج التقليدي الذي سنه المؤسس في علاقاتهم مع جيرانهم المسلمين السنة ومع الأوروبيين.وتطرق الفصل الخامس إلى أوضاع الدولة الصفوية الداخلية في عهد الشاه عباس الأول والتي تمحورت حول القضاء على الحركات الثورية التي قامت ضد حكمه والارتقاء بالدولة إلى مصاف الدول الكبرى في المنطقة من واقع تطوير الجهاز العسكري وإنجازاته الإنشائية في الحقل المدني. إلا أن هذا الشاه اتصف بالتشدد المذهبي وبالظلم أحياناً من ذلك أنه تخلص بالقتل أو بسمل العيون من جميع أفراد الأسرة الصفوية تقريباً حتى لا ينافسه أحدهم على العرش. فأفرغ بذلك الأسرة من كل الرجال القادرين على الحكم الذين سيرثونه بعد وفاته.وعالج الفصل السادس الأوضاع الخارجية في عهد الشاه عباس الأول من خلال علاقاته مع العالم الإسلامي، الأوزبك، العثمانيين ومغول الهند والتي اتسمت بالعدائية الواضحة. وخرج الشاه من هذا الصراع مع العالم الإسلامي السني منتصراً، إذ سيطر على خراسان وأجزاء من أفغانستان وقندهار وأذربيجان وديار بكر والعراق وأجزاء من الخليج العربي مثل جزيرة هرمز والبحرين. غير أن عداءه للدولة العثمانية، وإرضاء لنصارى أوروبا دفعه للتصرف بشكل يتجافى مع المبادئ الإسلامية مثل مشاركة النصارى في أعيادهم وشربه الخمر معهم حتى في شهر رمضان وبناء كنائس لهم.وشرح الفصل السابع علاقات الشاه عباس الأول الخارجية مع العالم غير الإسلامي وأعني العالم الأوروبي، ولعل ما يلفت النظر انفتاحه الواسع على الدول الأوروبية إسبانيا-البرتغال، إنكلترا، هولندا وشركة الهند الشرقية الإنكليزية من أجل تحقيق هدف مزدوج، التحالف السياسي مع الأوروبيين ضد الدولة العثمانية وتبادل التجارة معهم. والواقع أن التحالف السياسي مع الأوروبيين ضد الدولة العثمانية وتبادل التجارة معهم. والواقع أن التحالف السياسي لم يتحقق واكتفى الأوروبيون بالتبادل التجاري نظراً لحاجتهم إلى الحرير الإيراني وتسويق صناعاتهم الصوفية بين الإيرانيين. وبفعل تهافت الشاه على التعاون مع الأوروبيين بأي ثمن بدت المعاهدات التجارية التي عقدها معهم وكأنها بين دولتين إحداهما قوية والأخرى ضعيفة، كما أدخل منطقة الخليج العربي في دائرة الصراع الدولي الاستعماري بين الدول المتنافسة على بسط سيطرتها على العالم ونهب ثرواته، وقد تأثرت إيران نفسها، سلباً، من هذا الاستعمار.وعالج الفصل الثامن انحلال وسقوط الدولة الصفوية التي فقدت كل مقومات وجودها واستمراريتها بفعل تراكم الأخطاء والتجاوزات والتصرفات غير المسؤولة التي قام بها ملوك الأسرة الحاكمة على مدى تاريخهم، فاندفع الأفغان المنطلقين من قندهار باتجاه خراسان، فاجتاحوها ودخلوا إيران. والواقع أن هذه البلاد تعرضت في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي لغزوة مدمرة قام بها الأفغان السنة في الوقت الذي دخلت فيه الدولة الصفوية في مرحلة الشيخوخة ما أثار الأفغان الذين كانوا يحتفظون بقندهار باسم شاه إيران. وبرز من الأفغان ثلاث شخصيات أخذت على عاتقها إنهاء حكم الأسرة الصفوية هي مير أويس وابنه مير محمود ومير أشرف ثم نادر شاه الأفشاري مؤسس الدولة الأفشارية على أنقاض الدولة الصفوية المنهارة.