حين تصل رؤيا المؤلف المجهول مرحلة الإعلان، يزول وهمُ الإزدواج والاحتراق، فمجهولية المؤلف هي ذاتها رؤياه المرئية، فكأنه هي أو كانها هو، مجردة من أعراض التبدل والفساد. وما دام المؤلف يحتفظ بهذه القدرة على الاستبدال، فإنه لن يُنكِر حقّ المؤلفين الآخرين في أن يستأثروا بمدارٍ لهم، أو أن يخرجو منه إلى دار مشترك، في حركةٍ من الاقتراب و...
قراءة الكل
حين تصل رؤيا المؤلف المجهول مرحلة الإعلان، يزول وهمُ الإزدواج والاحتراق، فمجهولية المؤلف هي ذاتها رؤياه المرئية، فكأنه هي أو كانها هو، مجردة من أعراض التبدل والفساد. وما دام المؤلف يحتفظ بهذه القدرة على الاستبدال، فإنه لن يُنكِر حقّ المؤلفين الآخرين في أن يستأثروا بمدارٍ لهم، أو أن يخرجو منه إلى دار مشترك، في حركةٍ من الاقتراب والابتعاد، والتأثر والتأثير، تمثّل هارمونية التأليف الخلّاق لرموز الطبيعة والكون والحياة، التاريخ والأبدية.إن دافعية التأمل وحدها تفصل بين الرؤيا ونقيضها، وما هذا النقيض سوى القصدية المنهجية للنقد الأدبي في الهدم والبناء. في حين أن الرؤيا تقلّص الفاصل بين المناهج، باختصار الطريق نحو الغاية الأخيرة. إنّ طريق الرؤيا الهوائية متعددة، لكن سرعتها في اختيار البراهين الصائبة، تساعد القارئ المشارك على اختصار الطرق، وتُشركُه في متعة السفر إلى واحات النصّ وإن كان هذا سفراً تأملياً ضوئياً.بهذه الدافعية قدّم ألان روب غرييه رؤياه في (نحو رواية جديدة) وميشال بوتور في (بحوث في الرواية الجديدة) وامبرتو إيكو في (العمل المفتوح)… ذلك لأن أيّ كتاب من هذه الكتب يقدّم براهين بسيطة على قضايا معقدة في كتابة القصة الحديثة، وما من كاتب تشغله قضايا المجهولية الكبرى للفن إلاّ ويُقدم على تدوين رؤياه في الوقت المناسب، قبل أن ينتهك الآخرون قناع تبدلاته ومجهوليته.