وفي هذا الكتاب أتحدث عن الفن العربي الإسلامي، فهذا الفن بما به من عمق ثابت وباطنية فنية رائعة كان عنصراً مهماً من عناصر حضارتنا العربية الإسلامية، ومر بمراحل تطور وابتكارات رائعة، وقد كان للعراق في هذا التطور والابتكار الدور الرئيسي والبارز، وتبوأ مكانة قيادية واضحة فيه، وكان مصدراً للإشعاع الفني والثقافي وانتقلت منه الابتكارات ...
قراءة الكل
وفي هذا الكتاب أتحدث عن الفن العربي الإسلامي، فهذا الفن بما به من عمق ثابت وباطنية فنية رائعة كان عنصراً مهماً من عناصر حضارتنا العربية الإسلامية، ومر بمراحل تطور وابتكارات رائعة، وقد كان للعراق في هذا التطور والابتكار الدور الرئيسي والبارز، وتبوأ مكانة قيادية واضحة فيه، وكان مصدراً للإشعاع الفني والثقافي وانتقلت منه الابتكارات الفنية إلى المراكز الحضارية الأخرى في الأقاليم الإسلامية ودول أوروبا، وفي وسع أي باحث في الفنون العراقية القديمة والعربية الإسلامية أو أي مؤرخ متابع لنشأتها، وتطورها وانتشارها أن ينسب هذا الدور الرائد للعراق في تكوين الفن العربي الإسلامي المتميز ويحدد الأساليب الفنية العراقية التي استقت منها شعوب الأقاليم العربية الإسلامية والأوروبية، ولدينا من الأسانيد التأريخية والآثارية ما يكفي لتوضيح هذا الدور، وحالما نتتبع سياق ومجرى تلك الابتكارات والإبداعات العراقية ونتذكرها بوصفها ذخائر وكنوزاً في صورة حضارتنا العربية الإسلامية ونقارنها بما يجري للفن العربي المعاصر تتألم كثيراً.لقد كتب على هذا الفن أن يكون تابعاً للفن الغربي المعاصر ومشدوداً إليه، وصارت المسافة التي تفصل بين الفن العربي الإسلامي وبين الفن الغربي المعاصر طويلة جداً، وحدث الانقطاع بفعل غزو الثقافة الأجنبية التي رسخت مفاهيم فنونها أعمق فأعمق داخل لب حضارتنا فبقى الفن العربي المعاصر ينحو منحى غريباً، إن هذا الانقطاع يعكس ولا شك اضمحلالاً في الدارية والمعرفة للفن العربي تاريخياً، وسيظل الفن العربي المعاصر يدور في فلك الغرب، وسرعان ما يتحول إلى فقاعات في الهواء تبتلعها ريحه، إن ما يدعونا الآن لاستعادة حقوق الفن العربي واكتسابه عمقاً في الجذور والاحتفاظ بصلته بالتراث إلى جانب المعاصرة والاندماج بتيار الحياة العربية الحديثة ليعبر عن الجوانب الإنسانية، علينا أن نتحفظ من الفوضى التجريدية وفوق التجريدية على المستوى الذوقي الأوروبي بوجود قوانين وقيم إبداعية في الفن موجود في كل زمان ومكان حتى في حضارتنا العربية القديمة لا يمكن التخلي عنها في معاصرتنا، وعليه فإن علينا أن نجعل من عناصر تراثنا وعناصر بيئتنا وحياتنا الحاضرة أشكالاً جمالية معاصرة في أعمالنا الفنية تخلق في كامل النفس البشرية الانطباع العربية الجمالي الصحيح، لأننا نمتلك ذخيرة من العناصر التراثية الجمالية التي استمدت أوروبا منها صور الإلهام لزمن طويل وحتى وقتنا هذا، ولا بد من انبعاث هذا التراث من جديد لنواجه فيه هذا التحدي الأجنبي، وخلق معاصرة جديدة في الفن مندمجة بتيار الحياة العربية الحاضرة لتجد فيها الأجيال كيان أمتها بأكملها، ويجد فيها الإنسان العربي ما يتناسب مع ذوقه.فالفروق بين الفن الغربي المعاصر وبين هذا التوجه الجديد في الفن العربي تكمن في الأصول والمعارف والاتجاهات والأذواق والقوالب الانطباع الذي يخلفه في النفس، وهناك فرق كبير بين أذواق الشعوب في العالم وبين وسائل التعبير التي يستخدمها الذوق العربي، فمثلاً أن الإنسان الأوروبي يجد في التجريدات الأوروبية لذة ومتعة في حين لا يجد الإنسان العربي في هذه التجريدات قوانين فن جمالية خالدة، ولا أشكالاً تعبر عن همومه وقضاياه ولا حلاً لمشكلاته، فالأمر هنا يختلف بين أذواق الناس في الغرب وبين أذواق الناس عندنا، فهذه التجريدات الأوروبية تحظى باهتمام بالغ في الغرب عند نخبة من الناس، من تبهرهم الفنون التشكيلية الحديثة، وأخيراً فإن الفن الصحيح هو الذي ينطلق من نظام وقوانين جمالية، وينطلق من البيئة ويمتد إلى الماضي، ويخلق داخل ذاته اتجاهات فنية يستطيع العقل النابه أن يدركها. إننا الآن في ميدان معركة حقيقية مع الفن الغربي ومخلفاته التي ما زالت مسيطرة على أذهان وعقول فنانينا.ونحن الآن على أبواب انبثاق عصر جديد يتطلب ولادة فن جديد يرى العالم والحياة بعين متحررة من التبعية، ويمكن أن نسمي هذه الولادة بعثاً وانبعاثاً عربياً جديداً في الفن، وهذا ما نريد أن تشهده الساحة الفنية في هذه السنة الجديدة في الوقت الذي توفرت لدى الفنان التشكيلي كل وسائل وأشكال التطور، فهو يتمكن الآن من تشكيل فنه من عناصر تراثية وعناصر بيئية مختلفة حضرية وريفية وبدوية وعناصر جمالية معاصرة تشربتها روحه والتحمت بها مشاعره وحياته، وخلق معايير جديدة من التعبير الفني العربي الذي يؤدي دوره الحاسم في البناء الحضاري الذي يشهده عصرنا الحاضر بحيث تكون شرعية فنه مستندة تحديداتها لمنطق الوجود الجمالي، ويعطي فنه شخصيته المتميزة ليوصف بأنه عربي.وأبحث في هذا الكتاب بأبوابه الستة إبداعات الفنون الإسلامية في الخط والزخرفة والتصوير والعمارة والصناعات اليدوية في العهود الإسلامية المختلفة. وقد جاء بفصوله وبمباحثه متفقاً مع ما جاء بمنهج تأريخ الفن العربي الإسلامي المقرر تدريسه في معاهد وكليات الفنون الجميلة، ويعتمد بالدرجة الأولى على تحليل الجانب الجمالي في الأعمال الفنية الإسلامية، وإبراز الجانب الابتكاري فيها، وأثر هذه الابتكارات في الفن العربي. وزود هذا الكتاب بصور فنية إيضاحية لكل فترة تأريخية من فترات التأريخ الإسلامي وهي بمثابة مثال تطبيقي لمباحثه وفصوله.