الكتاب من تقديم الدكتور محمد مصطفى هدارة.الحديث النبوي نص أدبي في الذروة من البيان، ولا يرتفع فوقه في مجال الأدب الرفيع إلا كتاب الله بلاغة وفصاحة وروعة. ولم يسمع الناس قطّ بكلام أعمّ نفعاً، ولا أقصر لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح معنىً، ولا أبين في فحوى من كلام...
قراءة الكل
الكتاب من تقديم الدكتور محمد مصطفى هدارة.الحديث النبوي نص أدبي في الذروة من البيان، ولا يرتفع فوقه في مجال الأدب الرفيع إلا كتاب الله بلاغة وفصاحة وروعة. ولم يسمع الناس قطّ بكلام أعمّ نفعاً، ولا أقصر لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح معنىً، ولا أبين في فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم. وقد كان للنشأة اللغوية الصافية التي نشأها صلى الله عليه وسلم تأثير في فصاحته، فهو من هاشم من قريش، وأخواله من بني زهرة واسترضع في بني سعد بن بكر. وخالط في حياته بطون قريش والأنصار، فكانت هذه النشأة قرناً حياً بأحسن الأساليب، وأفصح اللهجات في العرب قاطبة، هذه النشأة اللغوية النقية الخالصة صقلت موهبة الرسول الفذة التي لا نظير لها في المواهب البشرية وتتمثل هذه الموهبة في فطرة صافية، وذهن جوّال، وبصر نافذ، ونفس مجتمعة، وبديهة حاضرة. وليس غريباً أن يجتمع ذلك كله لرسول الله لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته. وكذلك فإن الذي مكّن لفصاحته صلى الله عليه وسلم أن تنمو وتقوى ويشتد أسرها تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب القرآن.وبالتالي فقد توافرت للحديث الذي ينطق به كل أسباب الجودة وعمق المعنى. أما معانيه (الحديث) ففيها صفات قل أن تجتمع في كلام سواه ومن هذه الصفات الغنى في الأفكار، والعمق، والجدّة، والإحكام، والغوص في أغوار النفس الإنسانية، وملامسة أبعاد هذه النفس، مما مكّن لهذه المعاني أن تكون خالدة على وجه الدهر.من ذلك كله نستخلص بأن الحديث النبوي نصّ أدبي يرتفع إلى أعلى درجة من البيان، وهذا أساس مهم ينهض عليه بناء البحث في هذا الكتاب الذي ينقسم إلى تمهيد وثلاثة أبواب: في التمهيد درس ثلاثة قضايا ذات أهمية خاصة؛ أولها أن الحديث النبوي نص أدبي يرتفع إلى أعلى درجة من البيان، والقضية الثانية، أن هذا النص الأدبي موثوق به وأن رواية الحديث بالمعنى لا تعني أن الأحاديث كلها ليست بلغة الرسول صلى الله عليه وسلم. وآخر النقاط التي تناولها الباحث في تمهيده جهود الباحثين الأقدمين والمحدثين الذين درسوا الحديث النبوي. أما الأبواب الثلاثة فضمنها دراسة تحليلية مفصلة للصور الفنية في الحديث النبوي. فكان الباب الأول عن الصور الحسية والمعنوية في عالم الغيب، وانقسم الباب بحسب طبيعة موضوعاته إلى فصول قصيرة تناولت: الله جلّ وعلا، يوم القيامة، الجنة والنار، والملائكة والشيطان، الفتن.ثم كان الباب الثاني دراسة تحليلية للصور الفنية في الأحاديث التي تناولت عالم الشهادة، وانقسم الباب بحسب طبيعة موضوعاته إلى فصول قصيرة تناولت: الصلاة، الصدقة، الزكاة، الصوم، الحج، الجهاد، الذكر والدعاء، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برّ الوالدين، صلة الأرحام، المؤمن المسلم، الإنسان. والمفهوم الذي أعتمد عليه الباحث في تحليل الصور الفنية في هذين البابين كان متحرراً من الأطر والقوالب التي حددها علماء البلاغة، فلم يكن همه تبيان نوع الصورة التي كانت تستخدم الاستعارة الصريحية أو التبعية، أو تستخدم التشبيه من حيث هو عقلي أو حسي. وذلك لأنه رأى أن هذه الوسائل المحدودة ليست غاية الصورة. بل إنه من الظلم الاقتصار عليها لتحديد جمال التصوري في هذا الإطار البلاغي الجامد. ورأى أن يتسع فهمه لجمال الصورة. بحيث يتسع لكل عناصر الجمال في التعبير من حيث بلاغة نظم العبارة وموسيقاها، ومن حيث الاستخدام وسائل التصوير المختلفة من وصف وتشبيه، واستعارة وقصة، والاعتماد على الحواس المختلفة وعناصر التأثير المتباينة، وهو يعرض ذلك كله على ذوقه الأدبي محاولاً التعليل لما يحسه من جمال في كل هذه الصور التي يعرضها من مئات الأحاديث الصحيحة التي اقتصر عليها بحثه بحيث نفى منه الضعيف أو المرسل أو المنقطع. وكان جلّ اعتماده على كتب الصحاح الستة مع بعض المختارات الأخرى. وقد آلى على نفسه أن يخرج ما ساقه من الأحاديث وأن يعتمد على شروح العلماء الثقات، الأمر الذي أضفى على بحثه العمق والشمول والاستقصاء.وعني الباحث في الباب الثالث بدراسة جوانب الصورة الفنية كما استقرت في نفسه بعد طول صحبةٍ لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعل دراسته في قسمين: تناول في أولهما وسائل التصوير الفني وقد حصرها الباحث فيما يأتي: التصوير بالوصف، التصوير بالقصة، التصوير بالموازنة، التصوير بالاستعارة، والتشبيه والكناية. أما القسم الثاني من هذا الباب فكان دراسة تحليلية من خلال الأحاديث النبوية لعلاقات التصوير الفني، فاهتم الباحث بدراسة علاقة التصوير بالنفس، وعلاقته بالبيئة والمجتمع، وعلاقته بالحسّ في أشكاله المختلفة. وليس من شك في أن الباحث بهذا العمل الجليل قد أضاف جديداً إلى المكتبة الإسلامية، وهيأ لنا دراسة تعتمد على المنهج العلمي القديم، وعلى المصادر الحديثية الكبرى، وعلى منجزات النقد الأدبي الحديث، تجلو لكل مسلم روعة البيان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم محللة معللة، وليست غائمة مبهمة كما نجدها في كتابات كثير من الباحثين.