يعتبر هذا المؤلّف للشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي، موسوعة عقائدية فلسفية عرفانية، حاول الشيخ الإحسائي من خلالها أن يقدم للمعرفة الإنسانية منهجاً مبتكراً في طرح الآراء العقائدية المتنوعة، حيث ذهب في منهجه غلى التطبيق والتأليف بين ثلاثة مناهج، بدلاً من الإنحياز إلى إحداها.وتلك المناهج هي الشريعة والحقيقة والطريقة، وبعبارة أخرى لت...
قراءة الكل
يعتبر هذا المؤلّف للشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي، موسوعة عقائدية فلسفية عرفانية، حاول الشيخ الإحسائي من خلالها أن يقدم للمعرفة الإنسانية منهجاً مبتكراً في طرح الآراء العقائدية المتنوعة، حيث ذهب في منهجه غلى التطبيق والتأليف بين ثلاثة مناهج، بدلاً من الإنحياز إلى إحداها.وتلك المناهج هي الشريعة والحقيقة والطريقة، وبعبارة أخرى لتلك المناهج الثلاثة: الوحي (القرآن الكريم والسنّة النبوية) والعقل (البرهان) والكشف والشهود الباطني (العرفان)، فقد توصل من خلال بحثه إلى نتيجة مؤدّاها أن هذه المناهج الثلاثة ما هي "أسماء مترادفة صادقة على حقيقة واحدة هي حقيقة الشرع المحمدي" وعبارة المصنف في كتابه هذا تشير إلى هذا المعنى بشكل جليّ، حيث يقول عن كتابه ومنهجيته: "قد أودعنالك فيه إلهامات محكمات...، فتنتقل بها من الحكمة الرسمية إلى الحكمة الذوقية ومن القضايا البرهانية الضرورية، وتعرف أسرار الشريعة ومعاني الطريقة، وترتقي إلى خطائر سرائر الحقيقة، فإننها الطرق التي أسسها المتقدمون وسلكها الآخرون".ويقول أيضاً: "فلا يمكن أن يكون في عباراتهم إختلاف في الحقيقة، ولا في إشاراتهم خلاف عند أهل الطريقة، لأنهم تابعون للأنبياء والأولياء عليهم السلام على قدم الصدق والمحبة، فكما لا يمكن الإختلاف بين الأنبياء والأولياء في شيء من الأشياء مما قد يتعلق بالأصول الكلية الدينية والقواعد الإجمالية الشرعية، فكذلك لا خلاف بينهم أيضاً وإن اختلفت عباراتهم وتفرقت إشاراتهم".ولذا، يصدق على منهجه ما استشهد به في هذا الصدد حيث يقول: "عباراتنا شتى وحسنك واحد وكلٌّ إلى ذاك الجمال يشير".هذا ما صرح به الشيخ ابن أبي جمهور عن منهجيته المبتكرة، وهو ما أدركته المستشرقة الألمانية سابينا شموكا من منهج ونتائج، حيث تقول عن كتاب المجلي: "لقد أوجد ابن أبي جمهور في رسالته هذه وبمعزل عن القيود فرحاً كلامياً متجانساً من آراء المعتزلة وفلسفة أرسطو والفلسفة الإشراقية وتعاليم وحدة الوجود لابن العربي، لم يكن له نظير قبله، وكان يحاول إيجاد تجانس بين الآراء المتعارضة للمعتزلة والأشاعرة".ويضاف إلى ذلك ما أفاد به المستشرق الفرنسي هنري كوربن حول منهج الشيخ وما أحدث من نتائج هامة ظهرت في المدرسة الفلسفية الأصفهانية، حيث هذه المدرسة استهدفت التوفيق بين الآراء، وفي هذا الصدد يقول: "إن عرفان ابن العربي وآلهيات المتصوفة وتعليمات أئمة الشيعة المتأتية خلال الروايات، امتزجت في القرنين الثامن والتاسع على يد السيد حيدر الآملي، وابن أبي جمهور الأحسائي، وقد ظهرت نتائج هذه الأفكار في مدرسة أصفهان، منذ بداية التجدد الثقافي في الحكم الصفوي، في الآثار العظيمة لميرداماد والملاّ صدرا الشيرازي والقاضي سعيد القمي.كان ابن أبي جمهور عارفاً شيعياً، ولذلك لم تكن له شطميات أبداً، وكان ينهل من منهل القرآن الكريم اللامتناهي ومنهج البلاغة والأئمة الأطهار.وإلى ذلك يمكن القول بأن محصلة ما أفاد به الشيخ عن منهجيته التوفيقية عند إطلالته في زمان صدورها، وما أشاد به الباحثون من نتائج وآثار لها في مراحل متأخرة أدت إلى نضج أفكارها، وكذا ما أشار المراقبون لتاريخ تطورها أن أدّت إلى ولادة اتجاه جامع بين المناهج الثلاثة المشار إليها آنفاً بمنهج غير مسبوق، يُظهر بجلاء أن الشيخ محمد ابن أبي جمهور الأحسائي قد أسس لمدرسة فكرية جديدة، وتقدم بإضافةٍ علمية هامة ومؤثرة في مجال العلم والمعرفة.من هنا، فإن جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، وهي في مسراها نحو إحياء تراث علماء حاضرة الأحساء، ترى بأن تقديم كتاب المجلي هذا ليس إلا خطوة أولى على طريق إحياء تراث علماء حاضرة الأحساء، وذلك الأمور التالية: 1-إن إحياء التراث من شأنه أن يفتح آفاق المعرفة على مصراعيه بين إنسان الحاضر والمستقبل وإنسان الماضي، وما يتصل به من منهجية تفكير وما تمخض عن تلك المنهجية من نتائج وآراء، 2-إن التراث المستهدف إحياؤه من قبل الجمعية كان فخاض حراك فكري في مجال العقيدة والفقه وأصول الفقه والأخلاق والتفسير وعلوم القرآن الكريم والأدب، وهو مخاض في مرحلة حراكه كانت أبرز دوافعه ضرورة إكمال مسار التكامل الإنساني في بعده الروحيّ والفكري، 3-ضرورة إتاحة المجال لأطروحات علماء حاضرة الأحساء إلى أن ترى النور في دوائر معرفية أكثر إتساعاً لقبول نتائجها، 4-إتاحة المزيد من الإنتشار والحضور لهذا التراث في أرجاء المعمورة، خاصة بعد إنتشار دوائر المعرفة والمراكز البحثية التي تعنى بالدراسات الشرق أوسطية، وكذلك تطور وتنوع وسائل النشر والإعلام والبحث الإلكتروني، وهذا من شأنه أن يتيح الفرصة للمفكرين والباحثين للإطلاع على تلك الدراسات.