في المؤتمر السادس عشر للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران قبل سنوات، طرحت مسألة الحوار الفقهي العلماني على بساط البحث، وطالبت بفتح صفحة جديدة في اللقاء بين العلمانين والفقهاء، حيث ضم المؤتمر أكبر حشد من العلماء في المؤتمرات الفقهية، وقد إختير هناك لأن ينقل المسألة من محض حوار بين الفقهاء إلى حوار بين الفقه وبين الإتجاه العلما...
قراءة الكل
في المؤتمر السادس عشر للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران قبل سنوات، طرحت مسألة الحوار الفقهي العلماني على بساط البحث، وطالبت بفتح صفحة جديدة في اللقاء بين العلمانين والفقهاء، حيث ضم المؤتمر أكبر حشد من العلماء في المؤتمرات الفقهية، وقد إختير هناك لأن ينقل المسألة من محض حوار بين الفقهاء إلى حوار بين الفقه وبين الإتجاه العلماني الحاضر في الساحة الإسلامية رفيداً ومشاركاً، في محاولة للكشف عن مظان اللقاء والفراق بين التيارين الأكبر في العالم الإسلامي. وفي تحفظ ضروري فإن العلمانية التي إختارت الإلحاد عقيدة، هي تيار غير مقصود بهذه المقاربة أصلاً، وإنما نتحدث هنا عن العلمانية الذي تتبنى الصلح بين الإيمان في أصوله الكبرى وبين العقل، ولو كان ذلك على حساب كثير من الموروث الثقافي وإن إكتسب طابعاً ثيولوجياً، وهؤلاء من وجهة نظري يشكلون معظم العلمانيين في منطقتنا. وهنا إختار التعبير عن المسألة بأنها نزاع فقهي علماني وليسن نزاعاً إسلامياً علمانياً، والهدف واضح هنا وهو نقل الحوار برمته إلى الدائرة الداخلية، تأكيداً على حق الفريقين في الإنتماء إلى الشريعة الخاتمة . وقد طبعت ظاهرة النزاع بين الفقيه والعلماني بطابعها تلك العلاقات المتوترة أصلاً والتي كانت ترسم إلى حد قريب حدوداً دموية بين التيارات القائمة في الساحة العربية، وللأسف تم تربص الطرفين في مواقع متباعدة على أساس التناقض الكلي بين المناهج والغايات، الأمر الذي أسهم في تكريس صورة لا دينية تطبع الإتجاه العلماني، وصورة لا عقلانية تطبع الإتجاه الإسلامي، وبدا كما لو أننا على أعتاب ثورة ثقافية أشبه بالثورات الأوربية الإصلاحية على الكنيسة في الغرب. هذه الدراسة محاولة للنفاذ إلى جذر المشكلة وقراءة المسألة وفق المقاربة التاريخية لأزمة الفكر الإسلامي، ورسم الموقع المختار للإتجاه العلماني في الوسط التراثي، وبيان أن التفكير العلماني ليس طارئاً في التاريخ الإسلامي، والتأكيد على أن إرهاصاته الأولى كانت على يد فقهاء كبار كانوا يدركون أكثر من سواهم مبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان.