يُعتبر عِلم السياسة أحد العلوم الحديثة نسبيًّا في الجامعات العربية، فرغم أن تدريس عِلم السياسة قد بدأ في الجامعات الأوروبيَّة والأمريكية، كعِلْم مُستقِل له تقاليده المُميزة، مع أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنَّ هذا العلم لم يَدخُل معظمَ الجامعات العربية إلا مع نهاية الحرب العالمية الثانية تقريبًا، باستثناء إدخال تدريس "العلوم الس...
قراءة الكل
يُعتبر عِلم السياسة أحد العلوم الحديثة نسبيًّا في الجامعات العربية، فرغم أن تدريس عِلم السياسة قد بدأ في الجامعات الأوروبيَّة والأمريكية، كعِلْم مُستقِل له تقاليده المُميزة، مع أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنَّ هذا العلم لم يَدخُل معظمَ الجامعات العربية إلا مع نهاية الحرب العالمية الثانية تقريبًا، باستثناء إدخال تدريس "العلوم السياسية" في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًّا) عام 1937م[1]؛ ذلك أن مُعظم الدول العربيَّة استقلَّ في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية واتَّجه معظمها إلى تطوير جامعات وطنية اتَّجهَت بدورها إلى استكمال مختلف التخصُّصات الأكاديمية بها تدريجيًّا، ومنها "علم السياسة"، ومن ثم فإن تأخُّر دخول علم السياسة في الجامعات العربية يعودُ إلى أن تلك الجامعات ذاتها لم تنشأ إلا في مرحلة مُتأخِّرة من تطور الجامعات في العالم، ونظرًا لأن علم السياسة يَختلِط بعديد من العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية، كعلم الاقتصاد، وعلم الاجتماع، والقانون، والإدارة العامة، فإن علم السياسة لم تُفرَد له أقسام مستقلة إلا مراحل مُتأخِّرة من تطور الجامعات العربية، ومن الثابت أن علم السياسة في معظم الجامعات العربية أُلحِق في البداية بتخصص آخر ثم انفصل عنه فيما بعد، ولذلك نجد أنه في عام 1975م لم تكن هناك إلا تِسْع أقسام مُستقلة لعلم السياسة في أربعين جامعة عربيَّة، أما في باقي الجامعات العربية فقد ألحق عِلم السياسة بأقسام أخرى أو لم يَدخُل بها علم السياسة أصلاً، ثم سرعان ما تطوَّر عِلم السياسة كتخصُّص مُستقلٍّ بالجامعات العربية؛ بحيث أن معظم الجامعات العربية حاليًّا يوجد بها قِسم مستقل لعلم السياسة، باستثناء الجامعات ذات الطابع التكنولوجي البحْت، أو الجامعات ذات الطابع الخاص[2]، وتُجسِّد حالة عِلم السياسة في جامعة الملك سعود (الرياض سابقًا)، الملامح الرئيسيَّة لنشأة وتطوُّر مناهج دراسة عِلم السياسة في الجامعات العربية، كما أنها توضِّح القضايا التي يُواجِهها تدريس عِلم السياسة في بيئة إسلامية. ويُركِّز هذا البحث على دراسة نشأة وتطور تدريس علم السياسة بجامعة الملك سعود، باعتبارها أقدم الجامعات السعودية فقد نشأت تلك الجامعة عام 1957م، كما أنها تمتَّعت بقصب السبق في إدخال دراسة علم السياسة في مناهِجها، ويُحاول البحث أن يوضِّح الظروف التي تبلوَرَ فيها عِلم السياسة في تلك الجامعة وتطوُّره، والمناهج الفكرية المسيطِرة على تدريس هذا العلم في الجامعة مُحاولاً استخلاص بعض النتائج النظرية العامة التي يُمكِن الاستفادة منها في فهم عملية تدريس علم السياسة، مع التركيز على دراسة أوضاع الطلاب وهيئات التدريس في ميدان علم السياسة مقارنًا ذلك كله - كلما أمكَنَ - بالأوضاع المُماثلة في بعض الجامعات العربية. ويَنطلِق هذا البحثُ من فرضيَّة أساسية وهي أن لكل علم خصوصيَّة مُعيَّنة ترتبِط بالبيئة الاجتماعية التي ينشأ وينمو فيها، ومِن ثَمَّ يُحاول هذا البحث أن يَستكشِف إلى أي حدٍّ اكتسب علمُ السياسة في جامعة الملك سعود خصوصيَّات مُعيَّنة نابعة من البيئة التي نشأ فيها، وما هي المشكلات الأساسية التي تُواجِه تطوُّر هذا العلم في المستقبل؟ وتوجد بالمملكة العربية السعودية حاليًّا سبع جامعات، بيد أن علم السياسة لا يدرَّس في أقسام مستقلة إلا في جامعتَين هما جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبدالعزيز، باعتبار أن الجامعات الأخرى تُركِّز إما على دراسة العلوم البحتة والتكنولوجيا (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك فيصل)، أو أنها تركِّز على الدراسات الإسلامية البحتة (جامعة أم القرى، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنوَّرة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).