ما معنى أن تحكم محكمة ليل الفرنسيّة بطلاق زوجة لأنّها ليست عذراء؟ وما معنى أن تعتبر البكارة «صفة جوهريّة» في المرأة المقبلة على الزّواج؟ أهي الشّكلانيّة القضائيّة التي تعيد إلى القانون الوضعي رواسب التابوات العتيقة والمنظومات القانونيّة الدّينيّة؟ أم هو نفاق النسبيّة الثقافيّة التي تفضي إلى الاهتمام بالانتماء الدّينيّ في دولة عل...
قراءة الكل
ما معنى أن تحكم محكمة ليل الفرنسيّة بطلاق زوجة لأنّها ليست عذراء؟ وما معنى أن تعتبر البكارة «صفة جوهريّة» في المرأة المقبلة على الزّواج؟ أهي الشّكلانيّة القضائيّة التي تعيد إلى القانون الوضعي رواسب التابوات العتيقة والمنظومات القانونيّة الدّينيّة؟ أم هو نفاق النسبيّة الثقافيّة التي تفضي إلى الاهتمام بالانتماء الدّينيّ في دولة علمانية تنطبق قوانينها على كل المواطنين بقطع النّظر عن أديانهم وأصولهم الإثنيّة، وفي دولة عاشت ثورة أيار-مايو 1968، ولم تعد فيها البكارة تابواً رهيباً منذ ما يزيد عن القرن؟ماذا لو كان رافع الدّعوة ضدّ الفتاة مواطنا فرنسيّا غير مسلم؟ هل كان قرار المحكمة سيكون من نفس القبيل؟من فرنسا جاءتنا هذه الفضيحة القانونيّة والأخلاقيّة، لتفتح أعيننا على فضائحنا المستديمة المنظّمة. فمثل هذه التابوات العتيقة ما زالت تحافظ على مهابتها اللاعقلانيّة عندنا، وما زالت فاعلة في نفوسنا وتقاليدنا وأعرافنا ونصوصنا القانونيّة، رغم أنّها منافية لكرامة المرأة وإنسانيّتها، ومنافية للحرّيّات الفرديّة الأساسيّة التي جاءت بها مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدّوليّة.أليس اشتراط بكارة المرأة قبل الزّواج تجاهلا لكرامة المرأة، وإسقاطا لعالم البضائع على عالم البشر، بحيث تلزَم المرأة بأن تكون غير «مستعملة» من قَبل؟ أليست الحياة الجنسيّة للرّاشدين والرّاشدات شأنا شخصيّا لا يجوز أن تتدخّل فيه القوانين إلاّ لردع المغتصبين والمتحرّشين وحماية القصّر؟ أليس من حق أيّ فتاة راشدة أن تكون لها حياة جنسيّة قبل الزّواج وأن تتصرّف بجسدها بما يكفل سيادتها واستقلاليّتها وحرّيّتها وكرامتها؟ أليس البحث عن المرأة البكر وهماً من أوهام النّقاء الخطيرة والقاتلة للنّفوس وللأجساد؟إلى أيّ حدّ يظلّ هذا التابو مستحكما في مجتمعاتنا؟ إذا كان الفقه الإسلاميّ بمذاهبه المختلفة يقابل بين البكر والثّيّب في أحكام الزّواج والطّلاق وفي أحكام «الزّنا» («البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»)، فماذا عن رواسب هذه الأحكام في قوانين الأحوال الشّخصيّة في البلدان التي لها مثل هذه القوانين؟ وماذا عن الممارسة الاجتماعيّة؟ وماذا عن رتق غشاء البكارة وعن الفتاوى والممارسات التي تبيح هذا النّوع من الغشّ والخديعة، وتفضّل التّحيّل والصّغار على الحرّيّة والصّدق؟ملف آخر فتحه موقع الأوان، ليطرح كتّابه هذه القضيّة من جديد، وليطرحوها بعيدا عمّا يسود في المنابر العربيّة من مجاملة ومن حياد منافق. فالشجاعة الفكريّة هي أقل ما يمكن أن نطلبه من أصحاب وصاحبات الرّأي والقلم اليوم.