"البيوطيقا" مصطلح مركّب من "الحياة" "بيو" و"الأطيقا"، ظهر منذ السّتّينات، ليطرح مجال بحث جديد وتفكير مستحدث يستوجبه تطوّر التّقنيات الطّبيّة الحديثة على نحو غير مسبوق؛ هكذا يعرّف بعض المختصّين هذا الحقل من التّفكير الذي يحاول مواكبة واقع التّقنية المطبّقة على الجسد الحيّ: "هي الدّراسة متعدّدة الإختصاصات لمجموعة الشّروط التي يفرض...
قراءة الكل
"البيوطيقا" مصطلح مركّب من "الحياة" "بيو" و"الأطيقا"، ظهر منذ السّتّينات، ليطرح مجال بحث جديد وتفكير مستحدث يستوجبه تطوّر التّقنيات الطّبيّة الحديثة على نحو غير مسبوق؛ هكذا يعرّف بعض المختصّين هذا الحقل من التّفكير الذي يحاول مواكبة واقع التّقنية المطبّقة على الجسد الحيّ: "هي الدّراسة متعدّدة الإختصاصات لمجموعة الشّروط التي يفرضها التّسيير المسؤول للحياة البشريّة (أو للشّخص البشريّ) في إطار التّطوّرات السّريعة والمعقّدة للمعارف وللتّقنيات البيوطبّيّة".إنه مبحث معياريّ إستشرافيّ بالضرورة، لأنّه يروم توجيه الواقع، وحماية الفرد والمجتمع والبيئة، ولكنّه ينتسب إلى الأطيقا لا إلى الأخلاق: الأطيقا بإعتبارها تفكيراً ديناميكياً إشكالياً إنعكاسياً، يسائل الماقبليّات الأخلاقية، وبإعتبارها مبادئ تنفتح على إمكانيّات التّأويل الذّاتيّ الفرديّ، والأخلاق بإعتبارها منظومات دوغمائيّات قائمة على الثّوابت، ومفروضة على الأفراد، دون إمكانيّة الترجمة الذاتيّة الفريدة.إن مجالات هذا التّفكير يمكن أن نجملها ما يلي: 1-الإنجاب والتّحكّم فيه، ومدى مشروعيّة الإجهاض والتّبرّع أو الإتجار بالسّائل المنويّ وإقتراض الرّحم، ومدى مشروعيّة، 2-إختيار جنس الجنين، ومدى مشروعيّة إخصاء المعاقين والمرضى النّفسانيّين، 3-نقل الأعضاء وتبعاته وشروطه، وواقع الإتجار بها في الكثير من البلدان، 4-إشكاليّة تطبيق قوانين الملكيّة وإثبات البراءات في ما يخصّ علم الوراثة، 5-التّجريب على الأشخاص، والإستنساخ البشريّ لغايات شتّى، 6-الإصرار الطبّيّ ومقابله القتل الرّحيم، والمساعدة على الإنتحار، 7-عمليّا التّجميل التي لا يقصد منها تدارك العيوب أو التّشوّهات، بل الإستجابة إلى هوامات الأشخاص، وإدامة الشّباب، 8-الإفراط في تطبيب الذّات البشريّة، والإفراط في اللّجوء إلى العلاج الكيمياويّ النفسي، ومدى شرعيّة إعتماد هذا العلاج لدى الأطفال، 9-تبديل الجنس، دون وجود مبرّر بيولوجيّ يعود إلى إلتباس فزيولوجيّ وتشريحيّ.التفكير الإيطيقيّ في هذه المجالات ليس بالهيّن، لأن إحترام "حقوق الإنسان والحرّيّات الأساسيّة والكرامة الإنسانيّة لأي فرد أو مجموعة من الأفراد" مسألة معقّدة عند التطبيق، تواجه معضلة التّوفيق بين مصالح متعارضة، بل وبين قيم متنافرة أحياناً.أسئلة الملفّ الذي يفتح هذا الكتاب هي أسئلة "البيوطيقا" نفسها مثلاً: متى تبتدئ حياة الشخص ومتى تنتهي؟ ما هو الموت طبياً وإيطيقياً؟ ما علاقة الإنسان ببقية الكائنات الحية؟ يضاف إليها أسئلة خاصة هي الأخرى: 1-ما موقع "البيوطيقا" في العالم العربيّ، وما هي الهيئات التي يتوفّر فيها هذا التّفكير، وما مدى تأثيرها؟، 2-ما واقع الممارسة الطبيّة التّقنيّة في البلدان العربيّة، وما محاذيرها، وما التّشريعات القانونيّة التي تتّصل بها؟، 3-ما مرجعيات التّفكير في هذه المسائل، وما العلاقة بين المنظومات البيوطيقيّة في العالم والمنظومات المعياريّة الدّينيّة الإسلاميّة وغيرها، 4-ما وضعيّة الفتاوى التي تهتمّ بجديد الصّناعة البيولوجيّة، لكنّها تستبدل التّفكير البيوطيقيّ المعقّد بتقديم أجوبة متعارضة بين التّحليل والتّحريم؟...