نبذة النيل والفرات:في أعماق الماضي الجيولوجي السحيق كانت أفريقيا تكون قلب العالم. ففي إحدى نظريات التطور الجيولوجي لسطح الأرض؛ كان العالم يتكون من قارة واحدة أو قارتين تحتل المركز في أكبرهما قارة أفريقيا، وتفتت الكتلة القارية الكبيرة لتكون قارات العالم المعاصرة. وفي أعماق ماضي الإنسان منذ نشأته وحتى تطوره إلى السلالات الحالية تق...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:في أعماق الماضي الجيولوجي السحيق كانت أفريقيا تكون قلب العالم. ففي إحدى نظريات التطور الجيولوجي لسطح الأرض؛ كان العالم يتكون من قارة واحدة أو قارتين تحتل المركز في أكبرهما قارة أفريقيا، وتفتت الكتلة القارية الكبيرة لتكون قارات العالم المعاصرة. وفي أعماق ماضي الإنسان منذ نشأته وحتى تطوره إلى السلالات الحالية تقول نظريات أنتروبولوجية أن أفريقيا، أو على الأقل شرق القارة أو شمالها، كان أحد مراكز إن لم يكن المركز الأساسي لنشأة وانتشار سلالات الإنسان العاقل.ويمر التاريخ سريعاً وتنزوي أفريقيا وتصبح شيئاً فشيئاً على هامش قلب العالم الحضاري إلا من أطرافها الشمالية. ويسود الانعزال تدريجياً ومعه تركد حياة أفريقيا وتصبح أجزاؤها الرئيسية عالماً مظلماً يلفه الغموض وتسوده البدائية. ورويداً رويداً ومع اتساع الآفاق العالمية والأطماع الأوروبية تنكشف الأستار عن أفريقيا، ثم تنجذب بشدة إلى عالم اليوم فتتأثر بما يدور حولها من أحداث وتنفض عنها غبار تأخر الأمس واليوم لم تعد أفريقيا تستقبل أحداث العالم فحسب؛ بل أصبحت من أهم مراكز الأحداث، لما يدور في أعماقها من حالات متضاربة من الغليان والفوران والفوضى والاضطراب والرغبة في التماسك والتيارات السياسية العاتية. إن صراع أفريقيا اليوم-ليس من أجل التحرر فقط؛ بل ومن أجل نشوء الكينونة الأفريقية-قد جذب إليه العالم والكتل السياسية المتصارعة بدلاً من انجذاب أفريقيا إلى تلك الأحداث.هذه القارة رغم أنها كانت قلب العالم وربما موطن الإنسان العاقل في الماضي، ورغم أنها استرخت في إغفاءة طويلة، قد عادت إلى عالم اليوم قارة جديدة كل الجدة. إنها ليست الشرق وليست الغرب ولكنها تقف على باب كل منهما وتمسك بيدها وبموقعها زمام الطرق بين المحيط الهندي، والمحيط الأطلنطي، بين آسيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا. على السفن أن تخترق مياهها، وعلى الطائرات أن تحلق في أجوائها، ويمكن للقذائف الصاروخية أن تنطلق منها في جميع الاتجاهات لتصيب أهدافها المقصودة في دول الكتل الشيوعية والغربية على السواء. وفضلاً عن استراتيجية الموقع الأفريقي فهناك ما فيها من ثروة معدنية وزراعية تجعل من القارة أمل العالم في إنقاذه من الجوع. لقد عادت أفريقيا للعالم. هذه الحقيقة إن لم تكن قد استوعبتها عقولنا اليوم فهي على الأقل قد أصبحت على هاشم الوعي العالمي. وفي المستقبل القريب سوف تسطع فجأة كما تسطع الشمس في كبد السماء.من هذا المنطلق تأتي الدراسة في هذا الكتاب حول مقومات أفريقيا. ورغم ما لهذه الدراسة من طابع أكاديمي وعملي إلا أنها تمثل محاولة لفهم حقيقة أفريقيا الجديدة ومركزها العالمي. وقد تمّ تقسيمها إلى ثلاثة أقسام. تمّ في القسم الأول تقديم دراسة عامة لأفريقيا (مولدها مميزاتها العامة موجزها التاريخي الجيولوجي، تضاريسها، تصريفها النهري، مناخها والأقاليم المناخية، التربة والنبات والأقاليم الطبيعية، السلالة واللغة، السكان والأمراض، أنماط الحياة والاقتصاد والنقل ومشكلاته في أفريقيا). وخصص القسم الثاني لدراسة بعض الدول الأفريقية (دول المغرب، جمهورية السودان، أثيوبيا، نيجيريا، جمهورية زائيري، جمهورية جنوب أفريقيا). أما القسم الثالث فقد انفرد بتقديم أفريقيا في صور.