المولوخ كما تفيد التوراة، إله الأشرار أو الخبثاء، إله الكنعانيين، الوثن الذي يذبح على مذبحه الشر. ويقول كارلهاينتس دشنر، مؤلف هذا الكتاب مصوراً طبيعة أميركا الوحشية الشبيهة بالمولوخ: "المولوخ كما تعرفه قواميسنا هو "القوة التي تطلب القرابين في فهم لا يرتوي، رابين جدداً دائماً، والتي تعمل على التهام كل شيء". وعلى هذا فالمولوخ لا ي...
قراءة الكل
المولوخ كما تفيد التوراة، إله الأشرار أو الخبثاء، إله الكنعانيين، الوثن الذي يذبح على مذبحه الشر. ويقول كارلهاينتس دشنر، مؤلف هذا الكتاب مصوراً طبيعة أميركا الوحشية الشبيهة بالمولوخ: "المولوخ كما تعرفه قواميسنا هو "القوة التي تطلب القرابين في فهم لا يرتوي، رابين جدداً دائماً، والتي تعمل على التهام كل شيء". وعلى هذا فالمولوخ لا يمكن أن يكون هذه، التي هي البركة، والخير، ونور العالم، و"مشعل الأمل الساطع" و"الشعب المختار" شعب إسرائيل عصرنا، أو "أورشليم الجديدة" التي تنطوي على "قدرها الواضح الجلي" ورسالتها الربانية، من حيث كونها الوحي على البشرية، والقائد إلى الكمال، ومن حيث كونها شيئاً نبيلاً كل النبل، وخصوصياً كل الخصوصة، تعلو على كل البلدان وتتعالى عليها"، ويتابع المؤلف قائلا: "ومع ذلك فهذا كله ليس من أجل خيرها فحسب، ولمصلحتها ومنفعتها، كلا بلا من أجل خلاص العالم كله وفائدته ومنفعته، وهي التي تنطوي على نقاط ضعف أيضاً، وهي عيوب دنيا، بالغة الضآلة إن صح التعبير وعلى ظلال عابرة في استقامتها النقية، وبراءتها، مع أن العالم حولها خبيث، متفق، يكدس الجرائم بعضها فوق بعض، وينشر المخبرين، ويساند الإرهابيين، ويثير ألوان النزاع الكبرى، ويطلق عنان الحروب العالمية، ويفرق أفضل الدول قاطبة بالكوكايين، على حين تعد هي الصفوة المختارة النبيلة من بين الأمم. أو "الشعب الفريد في نوعه" "هرمن ملفيل"، بينما يظل العالم الخارجي، وهذا ما يتعلمه أصغر الناس فيها، مذنباً أبداً، ويترتب عليه، من أجل ذلك بالذات، أن يتمّ تطهيره من دنسه، أو قذارته، بها، وأن تتم تربيته، وتجميله، وإضفاء النبل عليه بمثلها، لأنها، وهي التي تصر على أنها لم تملك مستعمرات قط، وهي المستقلة، لا تريد للدول الأخرى أيضاً أن تكون تابعة، وهي الحرة، لا تريد أن تجعل الدول الأخرى مستعبدة، كلا فهي دائماً حارسة العالم فقط، وهي الحامية المنقذة، والملائكة الحقيقية للعدالة، أما الشيطان، فكان الآن هو الروسي آخر الأمر، ولكن هناك الكثير من الشياطين، بل الكثرة الغالبة، وهم يتخذون أشكالاً، وضروباً من التجسد، وجنسيات مختلفة... غير أن واحداً فقط يظل طاهراً دائماً تقريباً، ألا وهو اليانكي (أمريكيو الولايات المتحدة).وهكذا كان الأمر دائماً، وما زال على هذه الصورة بعد، ولا يكاد أحد من رؤسائها لم يعرف هذا بوضوح، ولم يعرّف العالم عليه بوضوح، ولم يؤكده... لقد كان توماس جيفرسن ومعه جورج واشنطن، وإبراهام لنكلن، من المؤسسين ذوي الأهمية القصوى للمجتمع الأمريكي الحديث وعالمه الفكري، يأملون أن يظل هنا "محيط زاخر بالنار بيننا وبين العالم القديم".هكذا يصف الكاتب أميركا منتقداً نزعتها إلى الشر في حين توهم نفسها والآخرين بأنها إنما تعمل ما تعمل من أجل مصلحة الجميع، وهذا البلد، كما يقول المؤلف، لا يعرف إلا ثلاثاً من الحجج وثلاثاً من القوى، وثلاثاً من المثل: القوة والمال، والنفاق، في الوقت الذي تدّعي فيه بأنها إنما تنطلق من أسس إيمانية دينية تريد من خلالها فِعْلَ فِعْلِ المسيح على الأرض.ويضيف الكاتب بأن الولايات المتحدة التي تعظ الآخرين منذ وجدت، بدعوتهم إلى الأخلاق للتستر على فظائعها هي، إنما نشأت هي ذاتها، على أرض العنف المجرد باستئصال الهنود الحمر واسترقاق السود، وأساس حريتها وديموقراطيتها كليهما هو السياسة الواقعية الدموية واللغو المتسم بالتزمت والتطرف.وهنا يستشهد الكاتب في وصف حقيقة أميركا وحالتها بقول وليم كارلوس وليمز: "انعدام الأخلاق هو أميركا، فبانعدام الأخلاق بدأت كلاً ما كنت لأقول هذا أبداً بحال من الأحوال، ولا سيما المقالة الأخيرة، بل أقول: أنها مضت بانعدام الأخلاق واندفعت بها إلى مدى أبعد مما مضت به كل البلدان الأخرى من قبل، مع ترك البابوات جانباً مرة أخرى وهم الذين سوف تعيش من بعدهم أيضاً إلى جانب أوائل النجوم من قطاع الطرق ومن يلوثهم من رجال العصابات، ذوي المقاس "التاريخي". انطلاقاً من هذه التصورات عن الواقع الأميركي الاستبدادي المصاب بداء التشاوف والغرور، والمشبع بالتعالي، والموسوم بالشر والوحشية يمضي كارلهاينتس ليؤكد على ذلك من خلال سرده لتاريخ الولايات المتحدة الملطخ بالدماء ابتداءً من استئصالها للهنود الحمر الذي سجل بداية حضارتها ثم نشوئها ليتابع تاريخها الدموي مسيرته من حرب إلى حرب بداية من الحرب الأهلية وحالات عدوانها وتدخلها في أميركا اللاتينية وفي الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية ثم حروبها الباردة وصفقاتها الساخنة، وحروبها في كوريا وفيتنام ومن ثم من حرب فيتنام إلى حرب الخليج. صورة تاريخية يرسمها الكاتب بدقة وبواقعية، مغنياً ذلك كله بتحليلات يقف القارئ عندها متأملاً ومتمعناً في كل ما قيل وكل ما يقال حول الحقيقة الأميركية من خلال المصادر الإعلامية المتنوعة الجنسيات ليكون لهذا الكاتب القول الفصل في تلك الحقيقة الأميركية المخزية للتاريخ وللبشرية. وقول للكاتب الساخر برناردشو يذكرنا به هذا الكتاب: "لقد عرفت بسخريتي، ولكن حتى أنا ما كنت لأقع على فكرة إقامة تمثال للحرية في ميناء نيويورك".