تضم هذه المجموعة تسع عشرة قصة، ما بين طويلة نسبياً وقصيرة نسبياً، وقد استخدم المؤلف تعابير جميلة في مواضع وقريبة من الجودة في مواضع أخرى، لكنه لم يتخلص نهائياً من المباشرة والتقريرية، هذين المأخوذين اللذين إلى زوال مع الممارسة، إذا ما أحس القاص تجنبهما في أسلوبه السلس والعذب حتى في هذه الباكورة التي تحسب في المحاولات الأولى، ومن...
قراءة الكل
تضم هذه المجموعة تسع عشرة قصة، ما بين طويلة نسبياً وقصيرة نسبياً، وقد استخدم المؤلف تعابير جميلة في مواضع وقريبة من الجودة في مواضع أخرى، لكنه لم يتخلص نهائياً من المباشرة والتقريرية، هذين المأخوذين اللذين إلى زوال مع الممارسة، إذا ما أحس القاص تجنبهما في أسلوبه السلس والعذب حتى في هذه الباكورة التي تحسب في المحاولات الأولى، ومن الممكن ملاحظة أن المواقف، في هذه القصة أو تلك، غير مشبعة على كامل، ربما كان السبب عائداً إلى الغموض الذي يلف القصص وخاصة ما دار منها حول الحب.وإذا ما أخذنا قصة "وداعاً أيها الليلك" التي اختارها القاص عنواناً لمجموعته نجد أن فكرتها بسيطة تدور حول رجل وحيد، متعب في حياته التي أصبحت آلة مبرمجة يثقلها الروتين وتعاقب الوجوه ذاتها كل يوم رغم ما فيها من تعدد أحياناً، ويجد هذا الرجل في حديقة منزله الصغير، ملجأ لأفكاره وملاذاً لراحته فيعشق أزهار الليلك المنضرة في هذه الحديقة، خاصة بعد أن أقنعته حبيبة بضرورة غرسها في حديقته لتكون أزهارها أبهى وأحلى.كان الرجل الذي يقص بضمير المتكلم، يدهش لتماوج ألوان أزهاره، وتحولها تدريجياً مع انكسارات الضوء المتساقط عليها، لذلك لا تستقر على لون واحد، لكنه كان يحبها كما يجب "سهام" التي أولع بها، إلا أن هذا الحبيبة كانت كأزهار الليلك، متقلبة المشاعر، متصلة العواطف، لا يمكن أن تستقر على حال، ففي تصرفاتها تناقضت، وفي أقوالها تباين، وهي صريحة في كلامها، وحتى نمو هو بالذات وفي آخر مرة يلتقيان فيها، أو يتحادثان هاتفياً، تخبره أنها تريد الهروب منه ومن حبه، فلا يأبه لذلك كثيراً، لأنه اعتاد منها هذه اللفتات المباغتة، واعتقد أنها ستعود للاتصال به، وترجع الحياة إلى سواقيها كما هي العادة، لكن مياه عذران الحب تفيض هذه المرة، ولا يقع لها على أثر، فيروح يسأل ويسأل دون أن يجد لأسئلته أجوبة شافية.ومنذ أن انقطعت أخبار سهام بدأت أزهار حديقته تذبل، فقرر اقتلاعها كما قرر اقتلاع سهام وحبها من قلبه وفكره على السواء، لذلك استبدل زهر الليلك بورود جورية، وخلال اقتلاعه لزهر الليلك كان يردد في ذاته "وداعاً أيها الليلك"، ومن عجيب أنه وجد بعد شهور أن الورود التي غرسها لم تنبت، لم تنم، وبدلاً منها نبتت أزهار الليلك مرة أخرى بلونها الزاهي النضير.إن الرمز في هذه القصة ذو دلالة واضحة وهو يرغب في التأكيد على أن الحب حين ينغرس عميقاً في القلب، لا يقتلع بسهولة، وإذا خادع نفسه في أمره، فإنه لا يتعدى التوهم بأنه أفلح فيما يريد، بينما الحب باق في سويداء قلبه كما كان في البدء، وقد ضرب مثلاً بمعاودة نمو زهر الليلك في حديقته.