تزداد الحاجة اليوم إلى البحوث العلمية التي تستوعب مشاكل الحياة المعاصرة وتعالج أزماتها. ولعل من أهم هذه البحوث ما يتعلق بتزاحم الأحكام والأولويات الشرعية عند الفقهاء وهذا البحث وإن كان أول ما يهم العلماء وذوي الفقاهة من الأعلام ألا أنه في حقيقته محل حاجة الجميع، أخذاً من رب الأسرة في أسرته إلى رب العمل في معمله وانتهاءً بالحاكم ...
قراءة الكل
تزداد الحاجة اليوم إلى البحوث العلمية التي تستوعب مشاكل الحياة المعاصرة وتعالج أزماتها. ولعل من أهم هذه البحوث ما يتعلق بتزاحم الأحكام والأولويات الشرعية عند الفقهاء وهذا البحث وإن كان أول ما يهم العلماء وذوي الفقاهة من الأعلام ألا أنه في حقيقته محل حاجة الجميع، أخذاً من رب الأسرة في أسرته إلى رب العمل في معمله وانتهاءً بالحاكم والوزير والمدير وغيرهم من ذوي الشأن والمكانة في إدارة المجتمع.إذ لا ينفك الإنسان في أي معترك وصعيد كان من تزاحم بين المصالح والمفاسد فلا بد له من قواعد يرجع إليها لحل هذا التزاحم وبالتالي اختيار الموقف الصحيح الذي يمليه عليه الشرع والعقل معاً.وأهمية هذا البحث تظهر في: أنه من أهم الأبواب الفقهية التي تتوقف عليها إدارة الحياة الإنسانية في أبعادها الشخصية والاجتماعية والسياسية. كما وتخلو المكتبة الفقهية منه على الرغم من توقف المئات بل الآلاف من الفروع الفقهية عليه. هذه الأسباب وغيرها حدت بالشيخ فاضل الصغار إلى تناول هذا البحث بنحو من التفصيل.فتحدث عن مسألة هامة كانت ولا زالت من أهم المباحث التي تظهر أهميتها في مجالات عديدة من حياة الناس، وهي مسألة فقه (الأهم والمهم) أو قاعدة (التزاحم بين الأهم والمهم) أو ما يعبر عنه بعضهم بـ(تزاحم الأولويات) أو فقه (المصالح والمفاسد). والمقصود بتزاحم الأولويات هو وقوع المزاحمة الحقيقية عند الإنسان في مقام العمل بين مصلحتين أو مفسدين أو مصلحة ومفسدة في وقت يعجز فيه عن كسب المصلحتين في الحالة الأولى أو دفع المفسدتين في الحالة الثانية أو كسب المصلحة مع دفع المفسدة في الحالة الثالثة.وهذه المزاحمة بين المصلحة والمفسدة، تارة تقع في الشؤون الشخصية من قبيل وقوع المريض بين مصلحة إجراء العملية الجراحية للخلاص من المرض وبين تحمل نفقات هذه العملية الباهضة، فإلحاح الضرورتين عليه يستدعي تشخيص موقفه بين الإقدام على العملية تحصيلاً لمنافع السلامة، أو الإحجام عنها تحصيلاً لمنافع المال.ومن خلال نما ذكرناه في تحديد موضوع البحث تظهر بوضوح أهمية هذا البحث ومدى الحاجة إليه، لا سيما في هذه الأزمنة التي اتسعت فيها الحياة وازدادت الروابط وتشابكت العلاقات بين الدول والأمم والشعوب، ومن هنا نقول: إن هناك حاجة ماسة لهذا البحث على صعيد الدول والشعوب، تظهر هذه الحاجة في مجالات السياسة والاقتصاد وإدارة الدول والعلاقات الدولية، وغيرها من المجالات الهامة، لا سيما في الدول التي تريد أن تحكم بقانون الإسلام وتلتزم بضوابطه.وباختصار: سيفيد هذا البحث في تشخيص الموقف الشرعي عند تعارض الأزمات وتضارب المصالح والمفاسد، لأنه يعين لنا الوظيفة ويبين لنا ما ينبغي علينا فعله للخروج من الأزمة والخلاص من الحيرة والتردد.ومن هنا فإن أهميته تظهر للدولة عند اتخاذ القرارات السياسية، ورسم الخطط التنموية، وبناء العلاقات مع الدول الأخرى، وللجيش في اتخاذ خيار الحرب أم خيار السلام، وخيار التسلح أم نزع السلاح، وللإعلام والثقافة لدى التعامل مع الثقافات الأخرى، وللأسر والبيوت لدى الزواج والطلاق وإنجاب الأولاد وتربيتهم، وللمجالس الوطنية لدى مناقشة اللوائح والمقترحات المقدمة للتصويت، وللمرجعية الدينية لدى نقل المعلومات أو الفتوى أو تحديد الوظيفة الشرعية للمقلدين، وللتجار وأصحاب الأموال في المعاملات المختلفة.وبشكل عام سيجيب هذا البحث عن الأسئلة التالية: هل في الشرع فقه للأولويات أو فقه للأهم والمهم؟ ويتفرع على هذا السؤال طائفة عديدة من الأسئلة الثانوية: السؤال الأول: ما هو فقه الأولويات؟ السؤال الثاني: ما هي المجالات التي حكم الشرع فيها بتقديم الأهم على المهم؟ السؤال الثالث: ما هي الأولوية، ما هو الأهم وما هو المهم؟ السؤال الرابع: ما هو وجه الحاجة إلى فقه الأولويات؟ السؤال الخامس: كيف نحرر الأهم ونميزه عن المهم؟ السؤال السادس: ما هو المعيار في تحديد الأولويات؟ السؤال السابع: كيف عالج الإسلام التزاحم بين الأهم والمهم من المصالح والمفاسد؟ السؤال الثامن: لماذا أوجب الشرع تقديم الأهم على المهم؟ السؤال التاسع: بأي ضابطة فقهية أو أصولية قدم الشرع الأهم على المهم؟ السؤال العاشر: إذا تعارض حكم الشارع بتقديم الأهم مع أحكام شرعية أخرة فما هو الحل؟ السؤال الحادي عشر: إذا حكمنا بوجوب تقديم الأهم على المهم فهل هذا الوجوب عقلي أم شرعي؟ السؤال الثاني عشر: هل القاعدة الحاكمة في باب التزاحم شرعية تعبدية أم عقلانية أمضاها الشارع؟ السؤال الثالث عشر: لو فرضنا أن المكلف ترك الحكم الأهم وعمل بالمهم فما هي الآثار المترتبة عليه؟ السؤال الرابع عشر: هل الحكم بتقديم الأهم على المهم قاعدة عامة تجري في مختلف مجالات الحياة أم هي قاعدة خاصة تجري في بعض الموارد دون غيرها؟ هذه وغيرها من الأسئلة إلى نعرض الإجابة عنها في أبواب البحث والفصول.