شكلت العلاقة بين التكوينين المديني والريفي مرجعية بحثية لا غنى عنها في فهم الشخصية العربية وتحليل اتجاهاتها ونزوعاتها الفكرية والسياسية، واهتم علماء النفس والاجتماع بتفسير انعكاسات تلك العلاقة على السلوك البشري ومن ثم فسروا في ضوئها دلالات الأداء الاجتماعي العام للفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية، وصولاً إلى دراسة آثارها ع...
قراءة الكل
شكلت العلاقة بين التكوينين المديني والريفي مرجعية بحثية لا غنى عنها في فهم الشخصية العربية وتحليل اتجاهاتها ونزوعاتها الفكرية والسياسية، واهتم علماء النفس والاجتماع بتفسير انعكاسات تلك العلاقة على السلوك البشري ومن ثم فسروا في ضوئها دلالات الأداء الاجتماعي العام للفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية، وصولاً إلى دراسة آثارها على النخب المجتمعية.وكان الإبداع الأدبي على صلة وثيقة بقضايا التحول والتضاد والاستمرارية بين الريف والمدينة في سياق البحث عن الذات. وشهدت العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين تناولاً عميقاً لقضايا الريف والفلاح والزحف المتبادل مع المدينة والتناقضات التي أفرزتها أطوار غير متوازنة من التماس بين تركيبين اجتماعيين مختلفين. وبقيت الشخصية الريفية ذات أثر واضح في تشكيل المخيّلة الإبداعية وظهرت في مشهد واسع من الأدب القصصي العربي، ولعل يوسف إدريس في مجاميعه القصصية استطاع أن يقدم منهجاً خاصاً لتركيب الشخصية الريفية.ضمن هذه المقاربة الأدبية يأتي هذا البحث الذي يدور في فلك عناصر ترييف نصوص يوسف إدريس القصصية وتحليلها وبيان أثر المخيلة في تركيبها ضمن فضائها الزماني والمكاني، حيث توافرت لدى الباحث حصيلة كانت في ضوئها (الشخصية الريفية) في قصص يوسف إدريس القصيرة ظاهرة مؤثرة لها أسبابها الذاتية والموضوعية التي كونتها وأذكت روحها في نصوصه القصصية.وقد عالج الباحث في هذا الكتاب تفاصيل الملامح الأساسية للوجود الإنساني عند الشخصية الريفية بوصفها الجزء الأهم تميزاً من معالم التكوين الحقيقي للشخصية العربية بوجه عام. موصلاً معالجات إدريس المتنوعة في الرؤى الفكرية والفنية إلى تعددية في تناول الشخصية الريفي ضمن نطاق حركتها الإنسانية وفعلها الاجتماعي وهاجسها الذاتي. فلم يقدم إدريس الرجل الريفي في حالة واحدة وفي حدود معالجة ثابتة الإطار على الرغم من محاولته الواضحة لتوكيد صورة (النموذج الأعلى) للإنسان المصري من خلال ملامح الرجل الريفي، مفيداً من العلاقة الجدلية بين لنموذج والمكان، في إضفاء ملامح تكوينية خاصة لها إيحاء مليء بمدلولات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والنفسي الذي يعيشه المجتمع الريفي. وكانت ملامح الشكل المظهري والجسماني والفقر والمرض والبطالة عوامل اجتمعت لوضع سمات الشخصية لريفية-الرجل الريفي لدى يوسف إدريس.ويمكن القول بأن الباحث في نفاذه إلى عمق التجربة الإدريسية الروائية إنما هو من موقع الاهتمام بموضوع الشخصية الريفية لدى أحد أولئك الفصاحين الذين أخلصوا إبداعياً لقضية الريف وهذا ما حاول تأكيده في هذا الكتاب وذلك عبر قنوات ونوافذ تتعرض في عملية تحليلية نقدية لأهم نموذج يتحول على أرض مصر في علاقاته الإنسانية وتأثيره المتبادل مع الشرائح الأخرى، وفي علاقاته وتأثيره مع أبناء شريحته نفسها، وفي علاقته الداخلية مع نفسه.