الكتابات الفلسفية في الهند، مهما كانت قيمتها إن أخذت بنظر عقلاني أو بنظرة منطلقة من الحاضر الراهن، غزيرة لا تقابلها غزارة في أي بلد من بلدان العالم ذلك أن الهند قارة، ومنغرسة في القدامة، والفلسفة فيها حركية أو مرتبطة بالسلوك وتود أن تكون نهج حياة ونظر معاً... لقد وجد فيها، على سبيل المثال، فلاسفة قالوا بالمذهب المادي. وهؤلاء نفو...
قراءة الكل
الكتابات الفلسفية في الهند، مهما كانت قيمتها إن أخذت بنظر عقلاني أو بنظرة منطلقة من الحاضر الراهن، غزيرة لا تقابلها غزارة في أي بلد من بلدان العالم ذلك أن الهند قارة، ومنغرسة في القدامة، والفلسفة فيها حركية أو مرتبطة بالسلوك وتود أن تكون نهج حياة ونظر معاً... لقد وجد فيها، على سبيل المثال، فلاسفة قالوا بالمذهب المادي. وهؤلاء نفوا وجود أي شيء، خارج هذا العالم، وأنكروا ما هو غير مرئي أو أي شيء عدا عالمنا المرئي هذا. هم ييدون إعادة الواقعي إلى ماهو حسي، وبذلك نفوا من ثمة نظريات الكتب المقدسة (الفيدا، الأوبنيشاد) وأنكروا الأديان. من هنا جاءت تسميتهم بالمنكرين أو الجاحدين (ناستيكا). كما سموهم: شارفاكا (المتكلمون الجيدون). ولوكاياتا olokayata أي الذين تمددوا على هذا العالم، إذ هم قصدوا الواقع على ما هو مدرك بالحس ونظروا إلى هذا العالم فقط لا إلى غيره والتصوف الهندي، الرافض للواقع والعائلة والجسد والمجتمع، لا ينفصل عن مشكلات الواقع والهموم في الهند، وعن مستوى العلوم، وعن الظواهر التاريخية بل، في بعض الأحوال، عن رفض للأفكاريات والأوضاع الهندية. ضمن هذا السياق يأتي البحث في هذا الكتاب الذي يتناول الفلسفات الهندية وتحديداً في قطاعاتها الهندوكية والإسلامية والإصلاحية.وقد جاء ذلك ضمن فصول كتبها الباحث في فترات متباعدة، ونشر بعضها، وكان البعض الآخر ضمن محاضرات خصصت للحديث عن البراهمانية والفيدا، البوذية والجانينية وعن الفلسفة الاتباعية أو المذاهب الصراطية الست. وقسم ثالث، كرس للفلسفة الإسلامية في الهند، وفيه قراءة لبعض نماذجها (أحمد خان وأمير علي ومحمد اقبال): ولاحقاً تم تخصيص قسم لاغرو، إذن في أن النظام الفلسفي الهندي يحتوي مجملاً كاملاً ابتداء من نظرية في المعرفة، حتى علم النفس وما بعد الطبيعة والعلوم الطبيعية والأخلاق. ويبدو كمحاولة لاستخلاص، بواسطة التأمل والتفكر في الأشياء، نظرة شملة على الكون والسلوك البشري. وليست الماورائيات هي وحدها غزيرة في الهند. فالفلسفة الهندية تحوي بذور جميع اتجاهات الفكر في العالم الراهن. ففيها المثالي، وفيها الالحادي وفيها الواقعاني، وفيها الرياضي. أنها تؤخذ ضمن قرائن أو سياق تاريخي، جغرافي معين، لذا فقد تميزت بحكم ذلك ببعض الخصائص في نظرتها للوجود والمعرفة والقيم والفنون. وحتى شديد الأهمية. وهو ذاك الذي يجمع الأثر والتأثير بين الفكرين العربي الإسلامي والفكر الهندي. والباحث لم يتعرف في هذا المجال للفكر الهندي الحديث أو لبعض منه إلا بسرعة. كذلك هو ترك جانباً موضوعات كثيرة متعلقة بالأدب الصوفي الإسلامي في الهند، وبالفكر الأوروبي، وبالفكر الاسماعيلي، ومما أسقطه في هذا الكتاب، تأثر الفكر العربي المعاصر بالتصوف الهندي أو ببعض النظريات الهندية الرئيسية مثل: التقمص، الخلاص، الصفاء الداخلي للإنسان، النظرة للألوهية، المحبة (البهاكتي)، التأمل.