العقوبات في الإسلام تقوم على أصول ترتبط بمقاصدها الشرعية، المتمثلة بجلب المصلحة، ودرء المفسدة عن الفرد والمجتمع، وهي عدل كلها، وإذا خرجت عن العدل إلى الجور فليست من الشريعة في شيء. إذا ثبت هذا: فإن العقوبات في الإسلام تقوم على مبادئ وأصول نجملها بما يلي:تنوع العقوبات، وتدرجها:تتنوع العقوبات في الفقه الإسلامي؛ لتشمل المحظورات الش...
قراءة الكل
العقوبات في الإسلام تقوم على أصول ترتبط بمقاصدها الشرعية، المتمثلة بجلب المصلحة، ودرء المفسدة عن الفرد والمجتمع، وهي عدل كلها، وإذا خرجت عن العدل إلى الجور فليست من الشريعة في شيء. إذا ثبت هذا: فإن العقوبات في الإسلام تقوم على مبادئ وأصول نجملها بما يلي:تنوع العقوبات، وتدرجها:تتنوع العقوبات في الفقه الإسلامي؛ لتشمل المحظورات الشرعية بشتى صورها وأنواعها، والتي منها جرائم ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وهي جرائم الحدود، والقصاص، والديات، وهذه الجرائم حسم أمرها بعقوبات رادعة مقدرة شرعا من الشارع الحكيم ابتداء، وجرائم متغيرة، تحتاج إلى عقوبات مرنة ومتغيرة، وهي عقوبات تعزيرية فوض الشارع تقديرها نوعا ومقدارا إلى الحاكم المسلم، أو من يقوم مقامه، قال ابن القيم: "لما كان القذف دون سرقة المال في المفسدة جعل عقوبته دون ذلك وهو الجلد، ثم لما كان شرب المسكر أقل مفسدة من ذلك جعل حده دون حد هذه الجنايات كلها، ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة، والضعف، والقلة، والكثرة وهي ما بين النظرة، والخلوة، والمعانقة جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة، وولاة الأمور بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم، فمن سوى بين الناس في ذلك، وبين الأزمنة، والأمكنة، والأحوال لم يفقه حكمة الشرع، واختلفت عليه أقوال الصحابة، وسيرة الخلفاء الراشدين"، وقال أيضا: "وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها، ولا كفارة فإن المعاصي ثلاثة أنواع: نوع فيه الحد، ولا كفارة فيه، ونوع فيه الكفارة، ولا حد فيه، ونوع لا حد فيه، ولا كفارة، فالأول كالسرقة، والشرب، والزنا، والقذف، والثاني كالوطء في نهار رمضان، والوطء في الإحرام، والثالث كقبلة الأجنبية، والخلوة بها"[1]. والعقوبات الحدية لا شفاعة فيها، بخلاف العقوبات الأخرى، ومناط تنفيذها السلطان أو مؤسسات الدولة، وتطبق على الجميع بعدالة، وهذه الضوابط تتنافى مع جرائم الشرف، بل تحول دون وقوعها، والأدلة على ذلك كثيرة منها:أ- عن عائشة أن أسامة كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة فقال: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع، ويتركون الحد على الشريف، والذي نفسي بيده لو فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها"[2]. ب- والحديث ورد في رواية أخرى عن عائشة - رضي الله عنها - أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب قال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"[3].