العدالة التي تقوم عليها أحكام الشريعة تقتضي المساواة بين الجريمة والعقوبة، وهو أصل مهم من أصول العقوبات في الفقه الإسلامي. يقول الدكتور عبدالكريم زيدان: "وهذا الأصل في الحقيقة من آثار عدل الرب فيما يشرعه لعباده؛ ولأن العقوبة شرعت للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها؛ ولأنها ليست الأصل في الإصلاح، وحفظ مصالح الناس، وإنما هي كالاستثناء م...
قراءة الكل
العدالة التي تقوم عليها أحكام الشريعة تقتضي المساواة بين الجريمة والعقوبة، وهو أصل مهم من أصول العقوبات في الفقه الإسلامي. يقول الدكتور عبدالكريم زيدان: "وهذا الأصل في الحقيقة من آثار عدل الرب فيما يشرعه لعباده؛ ولأن العقوبة شرعت للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها؛ ولأنها ليست الأصل في الإصلاح، وحفظ مصالح الناس، وإنما هي كالاستثناء من هذا الأصل، والاستثناء لا يتوسع فيه؛ ولأنها كالدواء بالنسبة للمريض، والدواء يعطى بمقدار موزون دقيق بقدر حاجة المريض، ولا يعطى له جزافا كما يعطى الغذاء للصحيح ". ويقول الإمام محمد أبو زهرة: " وأساس العقوبات الإسلامية هو القصاص بالتساوي بين الإثم المرتكب، والعقوبة الرادعة "[1] ، وجرائم الشرف تتنافى مع هذا الأصل شرعاً، وعقلاً، وواقعاً. والأدلة على هذا الأصل كثيرة نذكر منها:1- قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6]. قال أبو زهرة: " المثلات أي العقوبات المماثلة للذنوب، فالعقوبات الإسلامية بشكل عام أساسها المساواة بين الجرم، وعقابه؛ ولذلك تسمى قصاصا "[2]. 2- قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 27]. وقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40]. وقوله تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]. والآيات الكريمات تؤكد وتؤصل مبدأ المساواة بين الجريمة، والعقوبة، والذي يتنافى مع جرائم الشرف، ويمنع وقوعها شرعا وعقلا وواقعا، ومن يسن غير ذلك كجرائم الشرف يكون قد سن سنة سيئة وعليه وزرها عملا بما ثبت عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً"[3].