الحمد لله، يقول الحق وهو يهدي السبيل، والصلاة والسلام على نبيِّ الرحمة، ونبي الملحَمة. أما بعد:فإنَّ من أبرز خصائص الإسلام الكمالَ والشُّمول والعالَميَّة؛ فجاء خطابُه عالميًّا، وجاءت تشريعاته عامَّة، متضمِّنة سعادةَ الدَّارين، ولم يقتصر وابِلُ رحمته على أهله المنتسبين إليه، بل وسعت رحمته كلَّ ذات كبد رطبة. لذا؛ حَظِيَ جانب العلا...
قراءة الكل
الحمد لله، يقول الحق وهو يهدي السبيل، والصلاة والسلام على نبيِّ الرحمة، ونبي الملحَمة. أما بعد:فإنَّ من أبرز خصائص الإسلام الكمالَ والشُّمول والعالَميَّة؛ فجاء خطابُه عالميًّا، وجاءت تشريعاته عامَّة، متضمِّنة سعادةَ الدَّارين، ولم يقتصر وابِلُ رحمته على أهله المنتسبين إليه، بل وسعت رحمته كلَّ ذات كبد رطبة. لذا؛ حَظِيَ جانب العلاقات بين الناس باهتمام كبير في الإسلام، ومن ذلك العلاقة بين المسلمين ومخالفيهم في الاعتقاد، سواء في الأصول العامة التي تقوم عليها تلك العلاقة، أو في الفروع التفصيلية المرتبطة بها. وتأتي أهمية هذا الموضوع من خلال نظرة سريعة في واقع العالم الذي نعيشه؛ حيث نراه يتجه - من خلال القوانين والنظم - نحو التقارب والتعايش، وربما يتجه نحو العولمة والكوكبة. هذا، في الوقت الذي نلحظ فيه تهميش دين الإسلام، وتجاهله في مجال (تنظيم الحياة)، ليس من خلال رؤية الآخر فحسب، فهذا ربما لا يكون غريبًا، بل من خلال سوء فهم من بعض أبناء الإسلام أنفسهم. الأمر الذي منح القانون الدولي - أو ما يسمى بالعرف الدولي، والمواثيق الدولية - صفة العالمية، وصبغ (التشريع الإسلامي) بالصبغة الإقليمية أو المحلية أو القومية، مع أنها تشريعات عالمية، قادرة على تنظيم العلاقات الدولية، كما كانت قادرة على تنظيم شؤون الأمة الإسلامية. من هنا جاء اختيار هذا الموضوع (التعامل مع غير المسلمين: أصول معاملتهم، واستعمالهم)، وإذا كانت الدراسات حول هذا الموضوع غير شحيحة؛ فإن كثيرًا منها طغى عليه العمومية في الطرح، أو الانفعالية غير المؤصلة، ولا سيما في مجال استعمال غير المسلمين والاستعانة بهم، فجاءت هذه الدراسة محاولة معالجة قضية (معاملة غير المسلمين واستعمالهم) بموضوعية واعتدال، دون إفراط أو تفريط، مستعينًا بالمناهج العلمية المناسبة للموضوع، والتي من أهمها:1- المنهج التأصيلي في كل القضايا المستجدَّة، أو النوازل في هذا المجال.2- المنهج الاستنباطي، عند بيان فقه النصوص الشرعية، أو قياس فرع بأصل، أو تخريج على قولٍ ومذهب.3- منهج المقارَنة، أو فقه الخلاف في عَرْض المسائل والقضايا المختلف فيها، والموازنة بينها، ثم الترجيح.4- المنهج النقدي، الذي لا غِنى عنه، عند عرض الآراء الشاطحة، أو الشاذَّة، أو الضعيفة. تقسيمات البحث:تتلخص خطة البحث في الآتي:الباب الأول: أصول العلاقة مع غير المسلمين، وتحته فصول:الفصل الأول: أسس عامَّة في علاقة المسلمين بغيرهم.الفصل الثاني: الأصل في العلاقة بالأمم: السِّلم، أم الحرب؟الفصل الثالث: حقيقة العلاقة بالأمم الأخرى.الفصل الرابع: حقوق غير المسلمين وواجباتهم في دار الإسلام.الباب الثاني: استعمال غير المسلمين، وفيه فصول:الفصل الأول: دار الإسلام، ودار الحرب.الفصل الثاني: التجاء المسلم إلى الكفار واستعانته بهم.الفصل الثالث: استعانة الدولة المسلمة بغير المسلمين، واستعمالهم.ثم جاءت الخاتمة للبحث. ولا تفوت الإشارة في نهاية هذه المقدِّمة إلى أن هذه الدِّراسة كانت في الأصل (رسالة دكتوراه) تَقدَّم بها المؤلِّف إلى المعهد العالي للقضاء في عام 1406هـ، ونال بها شهادة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى، أقدِّمها للقارئ الكريم بعد تنقيحٍ وتَهذيب. ثم لا يفوت أيضًا تنبيهُ القارئ الكريم إلى أنَّ موضوع الدراسة يَمتاز بأمور ثلاثة:الأول: عمق الموضوع، المتمثِّل في دقة أحكامه وصعوبتها.الثاني: سعته، المتمثِّلة في تعدُّد مجالاته التي تتناول معظم جوانب حياة المسلم، والأمة المسلمة، والدولة المسلمة.الثالث: أنه برغم نزعته الفقهية "العمَلية" فله اتِّصال وثيق بالاعتقاد وعمل القلب. مما يجعل مسائله كالحلقات المتسلسلة التي يؤلِّف بينها نظام واحد، هو ما يمكن تسمِيَتُه بـ"الوحدة الموضوعية"، ومن ثَمَّ قد يصعب تصوُّر هذه الوحدة بمجرَّد قراءة مُبتسرة ومجتزأة. لذا أتَمنَّى على المطلع على هذه الدِّراسة أن يبحِر فيها، حتَّى إذا أوفى على السَّاحل، وافى المؤلِّف بِمَرئياته وملحوظاته. وله - إن شاء الله تعالى - الجزاء الأوفى عند ربِّه. والله الموفق،،،