فإن لجزيرة العرب منزلة جليلة وأهمية خاصة من حيثيات متعددة: دينية، وتاريخية، وجغرافية، فلقد سادت فيها حضارات، ونزلت فيها نبوات ورسالات، وسكنتها الأمم تلو الأمم. ويكفيها فخرًا ومجدًا وجود أفضل مدينتين، على وجه الأرض (مكة المكرمة، والمدينة النبوية المنورة) يقصدها المسملون من كل فج عميق، عابدين حامدين مشتاقين. بل إن كل مسلم على وجه ...
قراءة الكل
فإن لجزيرة العرب منزلة جليلة وأهمية خاصة من حيثيات متعددة: دينية، وتاريخية، وجغرافية، فلقد سادت فيها حضارات، ونزلت فيها نبوات ورسالات، وسكنتها الأمم تلو الأمم. ويكفيها فخرًا ومجدًا وجود أفضل مدينتين، على وجه الأرض (مكة المكرمة، والمدينة النبوية المنورة) يقصدها المسملون من كل فج عميق، عابدين حامدين مشتاقين. بل إن كل مسلم على وجه الأرض يولي وجهه شطر المسجد الحرام عند كل صلاة: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]. وأضيفت هذه الجزيرة إلى العرب لأنهم سكنوها وتملكوها منذ تاريخ سحيق، ثم جاء الإسلام وهم أهلها وسكانها. وإذ الأمر كذلك فلا غرو أن يعني بها المؤرخون والجغرافيون، والأدباء والشعراء، بل علماء الشريعة الذين أولوها عناية خاصة. ولكن برغم هذه العناية المنوعة، فقد تبرز بين حين وآخر تساؤلات أو إشكالات ذات طابع شرعي أو قانوني، من قبل فئات متعددة، يهمها شأن هذه الجزيرة، من مثقفين، ومتعلمين، ومسؤولين وقانونيين، وغيرهم، من مسلمين وغير مسلمين. ولعل من أهم الموضوعات ذات العلاقة "خصائص جزيرة العرب" الذي كثرت فيه الأقوال والآراء، وذهبت به مذاهب شتى، مشرقة ومغربة. ومن خلال قراءاتي ومطالعاتي المحددة لم أظفر بمؤلف متخصص في الموضوع غير كتاب (خصائص جزيرة العرب) للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله تعالى، الذي يقع في نحو مائة صفحة من القطع المتوسط، وهو كتاب قيم حقًّا، إلا أنه أخذ بمنهج الرأي الواحد في جملة القضايا المبحوثة، ولم يذكر الآراء الأخرى المعتبرة إلا بالإشارة أحيانًا. هذا إلى أنه لم يتطرق لمسائل مهمة تدعو الحاجة إلى مناقشتها وبيانها، مثل الحقوق الدينية لغير المسلم في هذه الجزيرة، وتجنيسه بالجنسية العربية السعودية والشبهات المثارة حول الموضوع. وقد عالجتها - مع مسائل أخرى - في هذا البحث.