ضاع خطي وعصفوري وسنّارتي في يوم واحد، لم أعد أملك أي شيء، الكوخ الذي عشت فيه منذ خمسة أعوام تهاوى فوق رأسي بضربة فأس رماها "خليل حمد الشرطي" حجة أن مكاني هذا مباع للسيد "عزّام جبارة" لناء قصر شامخ نصفه داخل النهر ونصفه الثاني مدرسة أطفال هدموها مع صف من الدكاكين والمقاهي وبضعة بيوت تسلم ساكنوها تعويضاً لا يحلمون به وما اكتفى الش...
قراءة الكل
ضاع خطي وعصفوري وسنّارتي في يوم واحد، لم أعد أملك أي شيء، الكوخ الذي عشت فيه منذ خمسة أعوام تهاوى فوق رأسي بضربة فأس رماها "خليل حمد الشرطي" حجة أن مكاني هذا مباع للسيد "عزّام جبارة" لناء قصر شامخ نصفه داخل النهر ونصفه الثاني مدرسة أطفال هدموها مع صف من الدكاكين والمقاهي وبضعة بيوت تسلم ساكنوها تعويضاً لا يحلمون به وما اكتفى الشرطي بذلك بل راح يضربني على رأسي بهراواته وسفالته معاً: لا نريد أن نراك قرب هذا المكان، إذا مررت من هنا لن تلوم إلا نفسك. خرجت من الكوخ في مساء بارد، أبحث عن ملجأ يأويني ليلة واحدة، حتى أعثر في الصباح على (عشّ) رخيص أقضي فيه بقية عمري، لكن الأزقة كلها مزحومة إلى عنقها بالفقراء، وما كان لي غير البقاء في مقبرة "الشيخ معروف"... رأيت الباب مفتوحاً وتمكنت من إخفاء نفسي عن حارس المقبرة، انزويت ما بين القبرين الشيهد هاوي جعفر الذي قتلوه في شرق البصرة والشهيد مخلف عبد الزهرة الذي مات في أربيل أو هذا ما رأيته مكتوباً بأعلى قبر كل واحد منهما في أول ضوء جاءني مع الصباح".هذه الرواية، هي عين "الكامير" المقدسة. ومن هنا يتمنى الكاتب على القارئ الحفاظ على هدوئه بين شطورها، ليرى حجم الزلزال الذي ضرب العراق، ومن ثم عمق الهوة بين الشعب وحاكمه بالتالي، سيرى جثته المذبوحين المبقورة بطونهم، والمقطوعة أعضائهم، والمكسورة أسنانهم، والسمولة أعينهم، دون ذنب سوى أنهم على وفاق مع العبودية والجرائم والأخطاء. والرواية إلى هذا تذكر بالشعب الذي قال "كلا" فأرغموه أن يكتب العكس، وتختبر بهجرة الملايين من العقول صوب المنافي، دون أن يعترض العالم على سلب حقوقهم في بيت كريم وبلاد أكرم... وبالتالي سيكتشف كل قارئ عراقي عاش المحنة ومرّ على أسرارها واستوطن خباياها، بأن الروائي ليس هو من كتب هذه الرواية، وليس هو من جاء بشخوصها، وإنما هو جاء بنسخة مصورة منها، أما أهل الحكاية فما يزال تحت حراسة "القتلة" الذين هم وحدهم من يعرف الحقائق والدسائس والمذابح كلها...