"إن سؤال المعرفة عن الذّات بتحقيب نواتجها المعرفية ووسائلها الإدراكية وقيمتها، إضافة إلى الحياة بالمعنى الذي خّمنها فيه نيتشه، علامة فارقة على زعزعة يقينيات وثوابت مُتأصّلة في الذّاكرة الفلسفية كتخصيص الإنسان بِوصْفِ التفكُّرِ، وتوجيه هذا الوصف التّفكُّري نحو إكتناه جوهر الحقيقة القُصْوى، وإعتبار هذه الحقيقة جوهرانية مُنْفَصلة ع...
قراءة الكل
"إن سؤال المعرفة عن الذّات بتحقيب نواتجها المعرفية ووسائلها الإدراكية وقيمتها، إضافة إلى الحياة بالمعنى الذي خّمنها فيه نيتشه، علامة فارقة على زعزعة يقينيات وثوابت مُتأصّلة في الذّاكرة الفلسفية كتخصيص الإنسان بِوصْفِ التفكُّرِ، وتوجيه هذا الوصف التّفكُّري نحو إكتناه جوهر الحقيقة القُصْوى، وإعتبار هذه الحقيقة جوهرانية مُنْفَصلة عن الصَّيرورة وواحدة ومُتعالية.إن سؤال معرفة الحقيقة هذا حَقيق علينا إستشكاله من مداخله ومخارجه، ومُرادنا بالمداخل المعنى الذي خلعه نيتشه على مشكلة المعرفة والمساءلة الإرتيابية لقيمتها، ونقصد بالمخارج إمتداد هذه المساءلة وإنفراط حبّاتها في التفكّرات الفلسفية التي تَلَتْها، إلا أن ملمح هذا الإمتداد الذي مارسته المساءلة الإرتيابية لقيمة معرفة الحقيقة، عند نيتشه، هو مخْصُوصية المُتلقي الذي تجاوز أفق الثقافة الغربية ليُعانق هم الثقافة العربية وما يُنْخُر جِسْمَها من أزمات، وما يَلُوح في أفُقِ مُتغيّاها من إرادة التحرُّر والنَّهضة والتحضّر ومجاوزة ثقافة الإنحطاط.تأتي أهمية إشكالية الدراسة في أنها تستجمع في تحليلتها الدّلالة الثنائية في مسألة "المفاهيم المُقارنة"، بمعنى أن دوائر إنشغالها تدخل في رصد وتحليل الآلية والمهمة التي جرى فيها الأخذ بمفاهيم نيتشه في مشكلة قيمة المعرفة والحقيقة إلى فروع معرفية أخرى، وذلك من داخل الفكر المشترك، أي الثقافة الغربية وأصولها أولاً، والبحث أيضاً في المسوّغات التي تأدّت بالفكر العربي المعاصر إلى الإعجاب بفلسفة "السائل الكبير" وتشغيل مفاهيمه بحثاً عن التحرُّر ودروب الدُّخول إلى دورة حضارية ونهضوية جديدة، وتجديد أنظمة المعرفة التقليدية، أو المواجهة مع أفكاره بإعتباره مسؤولاً عن المآلات العدمية التي تطبع الفكر الفلسفي المعاصر ثانياً".