في هذا الكتاب يحاول الباحث "عبد الرزاق بلعقروز" من الجزائر إلقاء الأضواء على ما اشتغل به الفكر الفلسفي العربي المعاصر. هل قدم هذا الفكر مشروعاً، أم أنه مقلداً للمفاهيم الفلسفية الغربية. يعتبر الكاتب: أن أكثر المفاهيم المتداولة في حقول المعرفة الفلسفية العربية مفاهيم شاحبة ليس فيها دم الحياة، ولأنها شاحبة فهي لا تؤثر في ثقافتنا و...
قراءة الكل
في هذا الكتاب يحاول الباحث "عبد الرزاق بلعقروز" من الجزائر إلقاء الأضواء على ما اشتغل به الفكر الفلسفي العربي المعاصر. هل قدم هذا الفكر مشروعاً، أم أنه مقلداً للمفاهيم الفلسفية الغربية. يعتبر الكاتب: أن أكثر المفاهيم المتداولة في حقول المعرفة الفلسفية العربية مفاهيم شاحبة ليس فيها دم الحياة، ولأنها شاحبة فهي لا تؤثر في ثقافتنا ولا تخلّص الإرادة من الوهن أو التفكير من الاستعادات الحكائية: "فأية حقيقة – لا تؤثر على الثالوث الاجتماعي: الأشخاص والأفكار والأشياء، هي حقيقة ميتة، وكل كلمة لا تحمل جنين نشاط معين هي كلمة فارغة، كلمة ميّتة ومدفونة في نوع من المقابر نسمّيه: القاموس". إن القيم المسمومة كالتوهم في كونية المفهوم الفلسفي والاستجابة لنداء الشمولية الثقافية والفصل بين الفكر والحياة، هي التي على الفيلسوف أن ينخرط في نقدها وأن يدخل في مواجهة مع مسلماتها بخاصة وأنها منتشرة في شعب المجال التداولي الإسلامي العربي، الذي يريد إنشاء فضاء فلسفي مخصوص في استشكالاته وتفكراته الموصولة بهذا المجال، لأن القيم السلبية تقطع عليه أسباب العطاء والإمداد. وأمام هذا: ما لم نسهم في إنشاء مفاهيمنا الفلسفية ابتداءً أو إعادة اشتغال على المفاهيم المتواردة علينا بإعادة إبداعها وتصنيعها مرة أخرى؛ فلن تكون في مستوى الوفاء لمهمة الفيلسوف الأصلية أي: الانخراط في نقد قيم العصر والتفكير بحركة مضادة ثم التشريع لإمكان وجودي جديد". من هذا المنطلق دأب "بلعقروز" على وضع مساءلات تتأسس على الإيمان بأن السؤال في الفلسفة يبقى، في حين أن الجواب يفنى، وأن الحاجة إلى الفلسفة اليوم لا تبدو بيداغوجية فقط؛ وإنما هي حاجة مضاعفة وفي جميع الأنشطة النظرية والعملية، بهدف أن يعمل الفيلسوف على إعادة الوصل ما بين الفلسفة والحياة، والدخول إلى نمط وجودي خاص. سواء أكان هذا الدخول مادياً بفعل الإمكانات التقنية؛ أم بفعل تغير معادلة الاجتماع الإنساني وتعقّد العلاقات بين الثقافات المعاصرة. يرصد الباحث في هذه الدراسة نماذج من تأولات الفكر الفلسفي العربي المعاصر للحداثة وما بعد الحداثة، حيث يتمظهر أمامنا في صلة تقابلية نموذجين من الإرادة: إرادة التأسيس للحداثة في المجال التداولي الإسلامي العربي على ما يسعى "طه عبد الرحمن"؛ وإرادة الانفتاح على ما بعد الحداثة عبر النسف النيتشوي لمشروع الحداثة ونعتها بحداثة الانحطاط على ما "يفكك ويحوّل علي حرب". يقسم الباحث دراسته العلمية هذه إلى بابين: الباب الأول: خصص فيه البحث حول "انفتاح الفلسفة على الحياة: من الممارسة المفهومية إلى فلسفة الإشهار". واختص الفصل الأول منه بالكلام في: سؤال المفهوم في الفلسفة (مقدمة لكل مَفهمة يمكن أن تصير إبداعاً). ويرصد فيه المؤلف نماذج من التراث الفلسفي على الممارسة المفهومية؛ نموذج تأسيسي للمفهوم بالمعنى المنطقي فلسفة المفاهيم السقراطية ووريثتها الأفلاطونية، ونموذج يسترجع هذا التأسيس بصورة نقدية لاذعة عن طريق وصله بالحياة واضطرامها على ما يؤول نيتشه، ثم وضع الضوابط التي تجعل من فعل المفهمة بمعناه الإبداعي ممكناً، بفك الارتباط بين المدلول الاصطلاحي الفلسفي والمضمر الثقافي... كما اختص الفصل الثاني بالكلام في: الفلسفة ومساراتها لمساءلة دلالة صيرورة مفهومها وتجدد مجالاتها وانقلاب علاقتها بغيرها من أنماط الوعي الأخرى: كالدين والفن والعلم... ويتحدث الفصل الثالث في دخول السؤال الفلسفي إلى فضاء الميديا وتأويل دلالتها. وهذا ما يقصده الباحث بعبارة: انفتاح الفلسفة على الحياة... أما الباب الثاني فجاء بعنوان: قلق الفكر الفلسفي العربي المعاصر بين تأسيس الحداثة والانفتاح على ما بعد الحداثة. وتفرد الفصل الأول منه بالحديث في "حدود مشروع الحداثة القيمية" بالمعنى الذي طورها فيه "طه عبد الرحمن". كما تفرد الفصل الثاني بالحديث في نموذج من الفكر الفلسفي العربي المعاصر ينفتح على ما يسميه علي حرب الأفق الرحب لما بعد الحداثة، وذلك بتوظيف مطارق النقد النيتشوي ومقولاته التدميرية لإيديولوجيا الحداثة، وذاك عبر نقد المفهوم الميتافيزيقي للحقيقة وتوظيف المنهج الجينالوجي والتنويع من استخداماته... وأخيراً خاتمة الكتاب تضمنت أهم النتائج المتوصل إليها عنوانها: من استكسال العقل إلى استنهاض الإرادة.