البحث الأدبي: طلب لغة العرب وأشعارهم وخطبهم وأمثالهم وأيامهم وأخبارهم من الأصول الأولى، وهي مواطن القبائل العربية، وتدوينها في مجلدات دون تبويب أو ترتيب. ثم تطور البحث إلى عمليات عدة يقوم بها الباحث وتبدأ بجمع مادة بحثه من المصادر الأولى أو المجلدات التي دونت دون ترتيب، والتنقير عنها ومعرفة مضمونها، ومناقشة أهل المعرفة عما يغلق ...
قراءة الكل
البحث الأدبي: طلب لغة العرب وأشعارهم وخطبهم وأمثالهم وأيامهم وأخبارهم من الأصول الأولى، وهي مواطن القبائل العربية، وتدوينها في مجلدات دون تبويب أو ترتيب. ثم تطور البحث إلى عمليات عدة يقوم بها الباحث وتبدأ بجمع مادة بحثه من المصادر الأولى أو المجلدات التي دونت دون ترتيب، والتنقير عنها ومعرفة مضمونها، ومناقشة أهل المعرفة عما يغلق من معانيها، وتنتهي بمحاولة تعريفها للقراء والدارسين بكتابتها، معتمداً في ذلك على خطة مسبقة لبحثه، ومنهج علمي واضح يصل بهما إلى معرفة الحقيقة. ومنهج البحث مظهر من مظاهر حضارة أمة من الأمم، تزداد حاجتها إليه بعد تطورها الفكري، وتراكم خبراتها العلمية، وتعرضها إلى حالة من إزدحام الأفكار والآراء، فتضيع بينهما الحقيقة العلمية. لذا كأن منهج البحث طريقة لتنظيم تلك الخبرات والآراء، وتعريف حدودها، وتحديد مستوياتها النهائية. وتقدير حجم الإضافات العلمية التي ينبغي أن تضاف إلى تلك المستويات. وهذا يعني أن عملية البحث مستمرة لا تتوقف عند حد معين. ولم يكن منهج البحث جديداً على الباحثين والمؤلفين العرب، فقد وضعا أسساً قويمة في علم البحث والتحقيق، وبعد خطوات منظمة من البحث والتأليف عرفوا خلالها قواعد المنهج الجدلي أو الإستدلالي، ووضعوا أسس المنهج التجريبي الذي يقوم على البدء بالتجربة للوصول إلى البرهان. وبذلك سبقوا الغرب في وضعهم أسس علم البحث ومناهجه. وقد أولى الدارسون المحدثون عناية فائقة بهذا العلم، وقامت دراسات عدة في هذا المجال، وكانت متنوعة، فمنها ما كانت تعليمية بحتة، تدرب الباحث على خطوات البحث، ومنها ما كانت ترصد هذه الخطوات في التراث العربي، وكان نصيب البحث منها في التراث العربي في الأندلس ضئيلاً. لذلك وجدت أن من سداد الرأي وتمام الفائدة أن نسلط الضوء على عملية البحث في هذا التراث، ونكشف عن المناهج التي إستخدمت فيها، إذا ما علمنا أن العلوم في هذه البلاد قد نمت وإزدهرت، ونافست قرطبة بغداد في مدارسها وعلمائها ومؤلفاتها. ومن الطبيعي أن هذا الإزدهار لم ينشأ من فراغ أو خبط عشواء بل نشأ على أسس منهجية ثابتة إتبعها العلماء العرب في الأندلس، وإعتمد عليها الغرب فيما بعد. إن الكشف عن هذه المناهج يعزز البحث الأدبي عند العرب، ويضيف إليه معرفة للوصول إلى الحقيقة، وهي جهود جبارة بذلوها في تعريف البحث وتحديد منهجه، وفي ذلك مثال يقتدي به الباحث العربي المعاصر. إتبع في هذه الدراسة الخطوات المنهجية التي تؤدي إلى إعداد البحث، وهي خطوات متدرجة تبدأ بالخطوة الأولى وهي تعريف البحث، وتنتهي بالخطوة الأخيرة وهي كتابة البحث، وبذلك فإن هذه الدراسة تتألف من مقدمة وثمانية فصول وخاتمة. يضمن الفصل الأول تعريف البحث الأدبي ومجالاته وهي، جمع الشعر في دواوين، أو جمع مختارات منه، أو مقطوعات ذات موضوع واحد، ومن المجالات، التأليف في الأدب، مثل العقد الفريد، والأمالي، والنوادر، ونفح الطيب وغيرها. ومن المجالات أيضاً التأليف في تراجم الأدباء وتقسيمهم على ترتيب زماني، أو مكاني أو موضوعي... ويتناول الفصل الثاني تحديد مصطلح الباحث، وبيان سمات الباحث الجيد، وهي: الموهبة والطبع، والثقافة والمعرفة، والسعي والإجتهاد، والتثبت والإتقان، والبعد عن الهوى والتعصب، وحسن الهيأة وحسن الخلق. ويشتمل الفصل الثالث على مرحلة إختيار موضوع البحث وتحديده، ويتم ذلك الإختيار على وفق أسباب وهي: إختيار موضوع غير مطروق، وإختيار موضوع مطروق ولكن بشروط مثل: وجود نقص فيه، أو وجود شكل مستغلق، أو تطويل يحتاج إلى إختصار، أو وجود أغلاط تحتاج إلى تصحيح، أو فرق يحتاج إلى جمع. أما تحديد الموضوع فيشمل، العنوان، والزمان، والمكان، والغرض، والشخصية الأدبية، والصفات المشتركة. ويحتوي الفصل الرابع على أصول البحث الأدبي، والأصول التي تعني مصادر الأدب الأولى التي وضعها مؤلفوها، وكانت في الأندلس أول الأمر أصولاً مشرقية، وتضم كتب اللغة، ودواوين الشعراء، وكتب الأدب، وتراجم الأدباء، مع بيان طرائق جمع الأصول وهي: نقل الأصول نفسها، أو شراؤها، أو إستنساخاتها. ويضم الفصل الخامس مرحلة جمع مادة البحث العلمية، ويمكن حصرها في جانبين، الأول: جمع المعلومات ويتم بطرق منها: إختيار النصوص وإنتقالها، والنقل الحرفي، والتلخيص. والثاني: المواد المستخدمة في تدوين المعلومات مثل: القلم، والحبر، والورق. ويتضمن الفصل السادس مرحلة إعداد خطة البحث ودراستها وهي رسم الخطوط العامة للبحث، وتستدعي ترتيب وحداث موضوعة مثل: خيط الكتاب، والتوطئة، والفهرس، والأبواب أو الفصول، والخاتمة. وتجزئة الكتاب إلى أجزاء أو مجلدات أو أسفار،أو كراريس. مع بيان الأسس المعتمدة في ترتيب الكتاب وتجزئته. وينفرد الفصل السابع بنقد النصوص التي يراد إستخدامها في البحث، ويمكن حصرها في جانبين، الأول: النقد الخارجي للنص، مثل نقد مصدره وتصويبه بالرجوع إلى مؤلفه، أو الكتب والدواوين، أو التدقيق في إسناده، ومعرفة أسلوب مؤلفه، والتنبيه على الزيادات والنصوص المسروقة. ونقد ضبط النص وصحته. والجانب الثاني: النقد الداخلي للنص، ويتم ذلك بالنقد الإيجابي بإنتقاد ألفاظه. والنقد السلبي، ويتم ذلك بنقد نزاهة المؤلف والراوي، ودقة الأخير في نقل النص. ويأتي الفصل الثامن إلى كتابة البحث الأدبي، وهي المرحلة الأخيرة، ويعتمد فيها الباحث على جانبين، الأول: كتابة المسودة، وهي أصل البحث أو النسخة الأولى منه. والثاني: المبيضة وهي النسخة النهائية له، وتستدعي ملاحظة لغة البحث، والخط المستخدم في الكتابة، والأشكال والأحجام، والرموز والعلامات المستخدمة في التصويب والترقيم والإقتباس، والإحالة على المصادر، والزيادات والإضافات.