في هذا الكتاب، ثمة نصوص مستلة من تاريخ ابن خلدون تتوخى لفت القارىء إلى عدم الاكتفاء بالنظر إليه، وكأنه صنم فقط. وإذا كان ابن خلدون قد فاق عصره، فإن هذا التفوق تم باستخدام مواد من عصره على صورة جديدة فذةنبذة النيل والفرات:إن أبا زيد، عبد الرحمن ابن خلدون الحضرمي الإشبيلي، من الشخصيات التراثية التي استعصت على النظر التاريخي بدرجة ...
قراءة الكل
في هذا الكتاب، ثمة نصوص مستلة من تاريخ ابن خلدون تتوخى لفت القارىء إلى عدم الاكتفاء بالنظر إليه، وكأنه صنم فقط. وإذا كان ابن خلدون قد فاق عصره، فإن هذا التفوق تم باستخدام مواد من عصره على صورة جديدة فذةنبذة النيل والفرات:إن أبا زيد، عبد الرحمن ابن خلدون الحضرمي الإشبيلي، من الشخصيات التراثية التي استعصت على النظر التاريخي بدرجة استثنائية. فقلما تجد من ينظر إلى أعمال هذا المفكر الفذ على أنها عائدة إلى زمان ومكان معينين، وإلى تجربة تاريخية عينية، وإلى اندراج في عالم عقلي مستقى من زمن فات، بل إنك ترى أن الثقافة العربية الحديثة خرجت بهذه الأعمال عن دفتها وسياقها، وأدرجت بها في سجل بالغ المغايرة، في محاولة لقسر الماضي على الاندغام في الحاضر، ولتصوير الماضي والحاضر وكأنهما ينتميان لسياق واحد غير متغاير ولا متقطع، وللتوصل بذلك إلى القول بأن الحداثة إنما هي "بضاعتنا ردّت إلينا" وإلى أن حاضرنا لا فوات فيه ولا قصور، وللتوصل تالياً إلى نفي الزمانية عن التاريخ وعن المجتمع.وعزيز العظمة في كتابه الذي بين أيدينا يهدف إلى تقديم النصوص المستلة من تاريخ ابن خلدون تقديماً يتوخى من خلاله لفت القارئ إلى مَعْلَم تراثي هام في نفسه وفي ما يبديه من أواليات النظر التراثي في التاريخ ومادته مما هو خاص "بعصر أوجيل" حسب العبارة الخلدونية التي قلما تقتدى بها الدراسات الحديثة وتشجيع هذا القارئ على عدم الاكتفاء بالنظر إلى المعلم وكأنه صنم تستودع فيه معاني وإحالات سابقة على السبر والنظر والتدبر. لذا فقد توخى المؤلف من النصوص تقديم مسح متكامل لحجم المنظور التاريخي الخلدوني، ولأسسه البنائية والمفهومية المركزية مما يعين القارئ على التدرب على القراءة، وعلى قراءة النصوص التراثية بالذات على نحو يجعله ملحاً بأسس وأساليب النظر التاريخي في شؤون التاريخ ومادته وبأصول النظر إلى الماضي نظرة عقلية.