تنادت الأصوات من قبل القائمين على عملية التربية بتبني أفكار واتجاهات ومداخل وطرائق تدريسية جديدة؛ وذلك لأن المدرسة اليوم أصبحت مكاناً تذوب فيه شخصية التلميذ، وأصبحت العملية التعليمية عبارة عن ثالوث تقليدي (المعلم الملقن والكتاب المدرسي والسبورة)، فأصبح التعليم تلقينياً يُعود التلاميذ على التذكر الآلي من خلال الحفظ، فالتلقين يساع...
قراءة الكل
تنادت الأصوات من قبل القائمين على عملية التربية بتبني أفكار واتجاهات ومداخل وطرائق تدريسية جديدة؛ وذلك لأن المدرسة اليوم أصبحت مكاناً تذوب فيه شخصية التلميذ، وأصبحت العملية التعليمية عبارة عن ثالوث تقليدي (المعلم الملقن والكتاب المدرسي والسبورة)، فأصبح التعليم تلقينياً يُعود التلاميذ على التذكر الآلي من خلال الحفظ، فالتلقين يساعد المعلم لا المتعلم حيث ينتهي المعلم الملقن من المنهاج الدراسي الطويل في موعده، وهكذا كُرست السلبية والتواكل لدى التلميذ، من خلال فرضنا عليه متابعة المعلم الملقن في مناخ يشعر فيه بالملل والسآمة، وهكذا أصبحنا أمام تعليم في معظمه لا يترك فرصة للمتعلم للإبداع والتفكير والتساؤل والنشاط، فيحرم من ممارسة إنسانيته.وهذا الأمر حدا بتلك الأصوات للبحث عن طريقة جديدة للتعليم، تعتمد على إيجابية ونشاط المتعلم، وتدريس يجعل المتعلم محور العملية التعليمية، فيصبح مشاركاً ومساهماً ومؤدياً في تلك العملية.ومن هنا كان التدريس الممسرح والذي جاء ليعلن سقوط وانتهاء الثالوث التقليدي في العملية التعليمية، فمن خلاله يتم وضع المناهج الدراسية في قالب ممسرح مما يساعد على تحقيق الخبرة المباشرة، وجعل المواد الدراسية تنبض بالحياة والحركة، فينتقل الطلاب من الاستظهار إلى المعايشة، فتنساب المعلومات والحقائق والمفاهيم والاتجاهات والمهارات والقيم... في أذهان التلاميذ بسهولة ويسر، وبصورة شائقة ومحببة لنفوسهم، فالتدريس الممسرح يتوافر فيه عنصرا المشاهدة والتعليم، مما يوفر إمكانية فتح مجالات واسعة للمناقشة والبحث والأنشطة، فهو نافذة واسعة نفتحها على مصراعيها؛ لكي يطل منها التلاميذ على المجتمع بصفة خاصة والعالم من حوله بصفة عامة، وأيضاً على المواد الدراسية، فهو وسيلة أكثر جذباً وأكثر شمولاً، مما يجعله يحتل مكاناً بارزاً، فهو يحتل موقعاً مهماً في الدول المتقدمة، فيقف جنباً إلى جنب مع كافة مستحدثات تكنولوجيا التعلم.ويتفق التدريس الممسرح مع طبيعة المتعلم وحبه للعب والانطلاق وممارسة النشاط، فأصبح بمثابة ابتسامة مشرقة مضيئة له تجمع بين التعليم والتربية والترفيه والمشاهدة والفن والإشارة والحركة والإبداع والتفكير، فالتلاميذ يرون من خلاله ألواناً جديدة من الحياة قد تختلف اختلافاً كبيراً عن الحياة التي يعيشونها، فهم يلعبون ويشاهدون زملاءهم يؤدون أدواراً مختلفة منها رجل الشرطة والطبيب...، فيعرفون كل شيء عن حياة هؤلاء، فيصبح التعلم أبقى أثراً ونتائجه واضحة المعالم ويترك في نفوس المتعلمين خبرات سارة نتجت عن الاعتماد على الممارسة والمشاركة والتعلم الذاتي، فالنجاح الذي يحققه المتعلم من خلال النشاط الذاتي والمشاركة يشجعه على الاستمرار في التعلم؛ لأن النجاح يؤدي غالباً إلى مزيد من النجاح.وهكذا نجد أن التدريس الممسرح بصفة خاصة ذا خصوصية فنية ومنهجية متفردة، والتلميذ فيه شريك إيجابي، وشريك متجاوب، وليس مجرد متلقي سلبي، وهو هنا قادر على الدخول في حوار موضوعي عاقل، ويمكنه تناول أخطر القضايا التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية وكذلك الانجازات التقنية، مع تأكيد ثقافة الإنجاز وثقافة الحرية وثقافة الديمقراطية، فالتدريس الممسرح يقوم على أساس ترسيخ قيم جديدة إيجابية بطبيعتها على مستوى الممارسات الحياتية والنظر إلى المستقبل وصنع هذا المستقبل مساهماً من خلال ذلك في تحويل الأفراد إلى مشاركين في الحياة الاجتماعية ليصبحوا قادرين على مواجهة عالم متغير.في ضوء كل ما سبق كان الكتاب الحالي محاولة جادة لإلقاء الضوء على التدريس الممسرح في التعليم الصفي، باعتباره وسيطاً مهماً في بناء شخصية المتعلم وصقلها، كما أنه محاولة مخلصة وضرورية لمراجعة المداخل التدريسية في التعليم الصفي من أجل تحديثه وتحسينه وتطويره، وقد تضمن هذا الكتاب أحد عشر فصلاً، فجاء الفصل الأول ليوضح الأساسيات في التدريس الممسرح، وماهيته، وأهدافه، وأهميته، وعلاقته بطبيعة وحاجات المتعلم، وألقى الفصل الثاني نظرة على أنواع المسرحيات التعليمية، في حين تطرق الفصل الثالث إلى معايير صياغة العمل المسرحي، فيما تناول الفصل الرابع تقنيات العرض المسرحي من ناحيتين: الأولى أماكن العرض والثانية عناصر العرض التكميلية، بينما ركز الفصل الخامس على عملية الإخراج للمسرحية التعليمية من ناحيتين وهما: مرحلة التخطيط المسرحي، ومرحلة التطبيق المسرحي، فيما أهتم الفصل السادس ببيان العلاقة بين التدريس الممسرح ومكونات المنهاج، كما وضح الفصل السابع مدى تحقيق التدريس الممسرح للنتاجات التعلمية المختلفة، أما الفصل الثامن فتناول التدريس الممسرح وذوي الحاجات الخاصة، فيما أختص الفصل التاسع بعرض رؤية إخراجية لمسرحية تعليمية، بينما اختتم الفصلين العاشر والحادي عشر الكتاب بوضع نماذج لمسرحيات تعليمية تتعلق بالمواد الدراسية، ونواتج التعلم.