ماذا يعني مصطلح علم الكلام الجديد؟ ومن هو مجدّد علم الكلام في هذا العصر؟ حتى هذه اللحظة ما زال هناك نقاش بين المهتمين حول هاتين المسألتين. فقد ذهب البعض إلى أن تجديد علم الكلام لا يعني سوى إلحاق المسائل الجديدة واستيعابها في إطار المنظومة الموروثة لعلم الكلام، فمتى انضمت مسائل أخرى لعلم الكلام لا يقتصر على ضمّ مسائل جديدة فحسب، ...
قراءة الكل
ماذا يعني مصطلح علم الكلام الجديد؟ ومن هو مجدّد علم الكلام في هذا العصر؟ حتى هذه اللحظة ما زال هناك نقاش بين المهتمين حول هاتين المسألتين. فقد ذهب البعض إلى أن تجديد علم الكلام لا يعني سوى إلحاق المسائل الجديدة واستيعابها في إطار المنظومة الموروثة لعلم الكلام، فمتى انضمت مسائل أخرى لعلم الكلام لا يقتصر على ضمّ مسائل جديدة فحسب، وإنما يتسع ليشمل التجديد في المسائل، والهدف، والمناهج، والموضوع، واللغة والمباني، والهندسة المعرفية. فالتجديد في المسائل يعني توالد مسائل جديدة، نتيجة للشبهات المستحدثة، ينجم عنها نمو وتطور علم الكلام نفسه.أما التجديد في الهدف، فيعني تجاوز الغايات المعروفة لهذا العلم، التي تتلخص في الدفاع عن المعتقدات، إلى تحليل حقيقة الإيمان ومجمل التجربة الدينية. كما أن التجديد في المناهج يعني التحرر من المنهج الأحادي، والانفتاح على مناهج متعددة في البحث الكلامي، تشمل المناهج الهرمنيوطيقية "علم تفسير النصوص" والسيميائية "علم الدلالة والتجريبية" والبرهانية، مضافاً إلى ظواهر النصوص، والحقائق التاريخية. بينما التحول في الموضوع، الخروج من الاهتمام بقضايا وجود الباري وصفاته، والنبوة العامة والخاصة، والمعاد، إلى نطاق واسع يستوعب كافة القضايا الموجودة في النصوص المقدسة، سواء منها الناظرة إلى الواقع أو الناظرة إلى الأخلاق والقيم. أما التجديد في اللغة فيتحقق بالانتقال من لغة المتكلمين القديمة ومعمياتها وألغازها، إلى لغة حديثة تعبر بيسر وسهولة عن المداليل، ويفهمها المخاطب من دون عناء لأنها لغة معاملاته وحياته اليومية.وبموازاة ذلك لا بد من التجديد في المباني، فإن المتكلم اهتم سابقاً بترسيم مبانٍ خاصة في المعرفة، تستند إلى المنطق الأرسطي، وشيء من ميراث الفلسفة اليونانية، وجعلها ممهدة للمباحث الكلامية، بينما انهارت بعض تلك المباني، حيث افتتحت الفلسفة الأوروبية الحديثة ثغرات اخترقت جدار الواقعية الأرسطية، وتزايد الحديث عن واقعيات معقدة، كالواقعية التخمينية، وتعرض "عمانوئيل كانت" واكتسب من بعده صياغات متنوعة، بالاستناد إلى معطيات فلسفة العلم والفيزياء المتأخرة.كل ذلك يدعو إلى استئناف النظر في المباني الماضية لعلم الكلام ستشهد تحديثاً؛ لأن أبعاد كل علم تشكل نسيجاً متكاملاً فيما بينها، ويوحدها التأثير المتبادل، أي أن أي تحول في أحدها يستتبعه تحول في سائر الأبعاد الأخرى، وهذا يعني تخلخل المنظومة السابقة للعلم، وحدوث منظومة بديلة، يأخذ فيها كل بعد من أبعاد العلم موقعه الملائم، ويعاد نظم المسائل في إطار يتسق مع التحولات الجديدة في المسائل والغايات، والموضوع، والمناهج، واللغة والمباني، ومعنى ذلك تجديد الهندسة المعرفية لعلم الكلام. أما من هو مجدد علم الكلام في هذا العصر، فإنه وفي ضوء المعطيات المذكورة أنفاً لمفهوم التجديد، يغدو القول بوجود فرد واحد مؤسس لهذا العلم، قولاً يقفز على حقائق التاريخ، ويجهل المدلول الحقيقي لتجديد الكلام، لأن تجديد علم الكلام هو مشروع تضافرت في احتضانه وتطويره مبادرات وجهود معرفية وعلمية، أسهم فيها رجال كثيرون من أعلام المسلمين في العصر الحديث، وإن كان دور الريادة يبقى نصيب عدد محدد منهم.وفي هذا الكتاب الذي يأتي في سلسلة "المشهد الثقافي في إيران" حوارات وندوات تغطي أهم المساهمات في "علم الكلام الجديد وفلسفة الدين" في العقد الأخير من إيران، وقد استوعبت تغطية هذه الحوارات مختلف المواقف والاتجاهات السائدة، لكي يتعرف الدارس على الأبعاد المعرفية المتنوعة في هذا المشهد وينطلق منها لدراسة مرجعياتها ومنابع إلهام كل واحدة منها.