تُعَانِي الْمَرْأَةُ مُنْذُ القِدَمِ، مِنْ وَاقِعٍ قَانُونِيٍّ وَاجْتِمَاعِيِّ مُتَدَنٍ، وَتُعَامَلُ مُعَامَلَةً سَيِّئَةً مِنْ قبل الْعَائِلَةِ وَالدينِ وَالمُجْتَمَعِ وَالدَّوْلَةِ. وَلَمْ تَمْنَحْ الأدْيَانُ الْوَضْعِيَّةُ أَيَة حُقُوق لِلْمَرْأَةِ بِمَا يَتَنَاسَب وَوَضعهَا. وَقَدْ اسْتَمَرَّ هَذَا الْوَاقِعُ قُرُوناً عَدِيد...
قراءة الكل
تُعَانِي الْمَرْأَةُ مُنْذُ القِدَمِ، مِنْ وَاقِعٍ قَانُونِيٍّ وَاجْتِمَاعِيِّ مُتَدَنٍ، وَتُعَامَلُ مُعَامَلَةً سَيِّئَةً مِنْ قبل الْعَائِلَةِ وَالدينِ وَالمُجْتَمَعِ وَالدَّوْلَةِ. وَلَمْ تَمْنَحْ الأدْيَانُ الْوَضْعِيَّةُ أَيَة حُقُوق لِلْمَرْأَةِ بِمَا يَتَنَاسَب وَوَضعهَا. وَقَدْ اسْتَمَرَّ هَذَا الْوَاقِعُ قُرُوناً عَدِيدَةً إِلَى وَقْتٍ قَرِيبٍ. وَكَانَتْ الْحروبُ الَّتِي وَقَعتْ بَيْنَ الدَّوْلِ الْغَرْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِخَاصَّةٍ فِي الْحَرْبيْن العَالَمِيّتيْن الأولَى وَالثَّانِيَةِ، وَالْحُرُوبُ الدُّوَلِيَّةُ وَالأهْلِيَّةُ الَّتِي شَهدتهَا الْعَدِيدُ مِنْ دُوَلِ العَالمِ، وَمَا لَحقَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ قَتْلٍ وَتَعْذِيبٍ وَتَشْرِيدٍ وَاغْتِصَابٍ، الأمْرُ الَّذِي يَتَطَلّبُ الوقُوفَ أَمَامَ هَذِهِ الْحَالَةَ الإنْسَانِيَّةَ وَالعَمَلُ عَلَى حِمَايَةِ الْمَرْأَةِ. فَالْمَرْأَةُ كَانَتْ وَلا تَزَالُ مُحْور الانْتِهَاكَاتِ الَّتِي تَلحَق بِالْبَشَرِيَّةِ مِنْ جَرَّاءِ الأزمَاتِ وَالْحروبِ. وَبِالإضَافَةِ إِلَى ذَلِك فَإِنّ مَا يُصِيبُ الزَّوْجَ وَالابْنَ وَالأبَ وَالأمَّ وَالأخَ يُصِيبُ الْمَرْأَةَ وَيَمسُ حُقُوقهَا. فَهِيَ أَكْثَر المُتَضَررِينَ مِنْ جَرَّاء المنازَعَات الْمُسَلَّحَةِ الدُّوَلِيَّةِ وَالأهْلِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَقَدْ تَنَبَهَ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ إِلَى وَاقِعِ الْمَرْأَةِ. وَعَلَى الرّغمِ مِنْ عَقْدِ الْعَدِيدِ مِنَ الاتِّفَاقِيَّاتِ الدُّوَلِيَّةِ الَّتِي مَنَحَتْ الْمَرْأَةَ بَعْض حُقوقِهَا، إِلا أَنَّ هَذِهِ الاتِّفَاقِيَّاتِ لَمْ تَجدْ التَّطْبِيقَ الْعَمَلِيَّ لِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ، بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُودِ قُوَّةٍ تَنفِيذِيَّةٍ لِهَذِهِ الاتِّفَاقِيَّاتِ، لأنَّ الاعْتِرَاف بالحُقُوقِ الْوَارِدَةِ فِيهَا إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى حِسَابِ الرَّجُلِ الَّذِي يَملكُ المَالَ وَحَق إصْدَارِ القَوانِيَنَ، الأمْر الَّذِي حَرمَ الْمَرْأَةَ مِنَ العَدِيدِ مِنَ الحُقُوقِ. وَعَلَى الرَغمِ مِنْ أَنَّ التَّطَوُّر الَّذِي يَشْهَدُهُ العَالم فِي الْمَجَالاتِ كَافَّةِ قَدْ وَصلَ إِلَى مَرْحَلَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَة لا تَزَالُ تُعَانِي مِنَ انْتِهَاكِ حُقُوقِهَا، وَلَمْ يُعْتَرفْ لَهَا بِذِمَةٍ مَالِيَّةٍ مُنْفَصِلةٍ، حَتَّى فِي الدَّوْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي عَقَدتْ الْعَدِيدَ مِنَ المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ وَشَرَعَتْ القَوانِيَنَ الْخَاصَّة بِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ. وَالشَّيْءُ المُفَارقُ لمُتَطلبَاتِ الحَقَائِقِ، هُوَ أَنَّ الأقَلِّيَّاتَ مَهْمَا كَانَ نَوْعهَا هِيَ الَّتِي تُطَالبُ بِحُقُوقِهَا مِنْ طغيَانِ الأكْثَرِيَّةِ حَتَّى فِي الدَّوْلِ العَرِيقَةِ بِالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ، بَيْنَمَا تُعَدُّ الْمَرْأَةُ هِيَ الأكْثَرِيَّةُ فِي التِعدَادِ السُكَانِي فِي جَمِيع دُوَلِ العَالمِ، وَلَكِنَّهَا تُعَانِي فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ، مِنَ الاضْطِهَادِ والتَشَردِ والتَرَملِ، والتَّعْذِيبِ، وَكظْمِ الحُقُوقِ وَإهدَارِ الْحُرِّيَّاتِ، وَمِنْ تَسَلطِ الأقَلِّيَّةِ وَهُمْ الرِّجَالُ وَالقَابِضُونَ عَلَى السُّلْطَةِ. وَكَانَتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلاميََّةُ قَدْ سَبَقتْ جَمِيعَ الْمُجْتَمِعَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فِي حِمَايَةِ حُقُوقِهَا وَضَمَان مُسْتَقْبَلهَا. فَقَدْ وَرَدَتْ الْعَدِيدُ مِنَ الآيَات فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ، وَالأحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَمَا وَضَعهُ فِي ضَوْءِ ذَلِك الْفُقَهَاءُ المُسْلِمُونَ قَدْ ضَمِنَتْ حُقُوق الْمَرْأَةِ بِشَكْلٍ مُخْتَلَف تَمَاماً عَمَا عَلَيْهِ فِي الدَّوْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَقَدْ أَقَرَّ الإسْلام لِلْمَرْأَةِ ذِمَةً مَالِيَّةً مُنْفَصِلةً عَن الْعَائِلَةِِ وَعَن الزَّوْج، وَمَنْحهَا الحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ وَالشَخْصِيَّةَ بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ وَكَامِلٍ. وَمَنْحهَا حُقُوقهَا الْمَشْرُوعَة سَوَاء أَكَانَتْ مُتَزَوِّجَة أَمْ غَيْرِ مُتَزَوِّجَة. وَأقرَ لَهَا أَهْلِيَّةً قَانُونِيَّةً وَقَضَائِيَّة كَامِلَةً. وَأَمَا فِيمَا يَتَعلقُ بِالْولايَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ عَلَيْهَا، إِنَّمَا أُقرتْ لِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ وَعَدَم اسْتِغْلالِهَا مِنْ قبل الآخَرِينَ. فَالْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ تَتَمَتَّعُ بالعَدِيدِ مِنَ الحُقُوقِ الَّتِي أقَرَّهَا القَانُونُ الدُّوَلِيُّ الْعَام، إِلا فِيمَا يَتَعلقُ بِالمسَاسِ بِدِينهَا وَطَبِيعَة المُجْتَمَعِ الإسْلاميِّ، وَالْمُحَافَظَة عَلَى عَفَافِهَا وَشَخْصِيَّتِهَا وَأَدَمِيتهَا. وَسَنَتَنَاوَلُ حُقُوقَ الْمَرْأَةِ الثَّابِتَةِ فِي الشَّرِيعَةِ الإسْلاميََّةِ، دون أَنْ نَعتَمدَ عَلَى مَذهبٍ مُعَيَّنٍ، مَعَ مُقَارَنَتهَا بِمَا هُوَ وَارِد فِي المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الإنْسَانِ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ، وَمَا وَرَدَ فِي المُعاهَدَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِحُقُوقِ الْمَرْأَةِ بِصُورَةِ خَاصَّةٍ، وَالجُهُودِ الدُّوَلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِحِمَايَةِ الْمَرْأَةِ