"الغريب لا يأكل بيديه فقط، عيناه تأكلان أيضاُ. حواسه كلَها تأكل، يمد يده في الفراغ مثل أعمى فلربما عثرت على شيء ما يهبها شعوراً بالقوة".هذه التداعيات أنارتها رواية "القيامة بعد شارعين" للروائي العراقي فاروق سوسف التي يروي فيها افتراضياَ، قصته، ذلك الرجل اللاجىء الآتي من بلاد مضرجة بالدماء والنفي والتشرد؛ وعلى هذا تقول الرواية حك...
قراءة الكل
"الغريب لا يأكل بيديه فقط، عيناه تأكلان أيضاُ. حواسه كلَها تأكل، يمد يده في الفراغ مثل أعمى فلربما عثرت على شيء ما يهبها شعوراً بالقوة".هذه التداعيات أنارتها رواية "القيامة بعد شارعين" للروائي العراقي فاروق سوسف التي يروي فيها افتراضياَ، قصته، ذلك الرجل اللاجىء الآتي من بلاد مضرجة بالدماء والنفي والتشرد؛ وعلى هذا تقول الرواية حكاية كل عراقي عاش في ظل قمع ذاخلي واغتراب خارجي. وهي تفعل ذلك من خلال الفكرة التي أراد المؤلف إرسالها يقول: "... كنت أبحث عن سبب لهجرتي، لا كتب لديَ. فقدت مرة خرى كتبي، سأتخلص من كل كتاب اقرأه... قررت "جئت لأكتب بحرية"... لقد نهش العنف بكل تجلياته ذاكرتي. في كل لحظة من لحظات ذلك العنف كان العراق يخسر فرصة للأمل في صناعة المستقبل. طوال عقدين من الزمن كنَا نندفع إلى الماضي بقوة. لقد خسفت بنا الرض فيما كانت الشعوب الأخرى ترتقي سلالم من نورٍ في اتجاه الكواكب. ... كنت أعيش صراعاً مجنوناً طرفاه المكان والهوية...".وبين هبوط طائرة البطل في أسوج (السويد) قادماً من كوكب آخر، لديه بضاعة لا يسعى إلى ترويجها بقدر ما يفكر في إفنائها سراً، وبين بحثه عن معنى للحياة غير موجود فيها أصلاً، بل من خلال ذلك الإيقاع الذي يجعله حياً بطريقته الشخصية، كان ثمة كم من الوقائع الضاغطة والواقع الثقيل يخيم على الرواية، ولكن تبقى المحاولة أفضل من الركون إلى الواقع والاستسلام له...