من يتأمل الدراسات التاريخية المغربية، فلن يجد ما يشفي غليله فيما يخص تاريخ المغرب القديم، أو ما يسمى بتاريخ الأمازيغيين وثقافتهم وحضارتهم. فقد انصبت هذه الدراسات على التاريخ الوسيط، والتاريخ الحديث، والتاريخ المعاصر، مع غض الطرف عن أهم مرحلة حضارية في تاريخ المغرب هي فترة الممالك الأمازيغية في صراعها مع الرومان والوندال والبيزنط...
قراءة الكل
من يتأمل الدراسات التاريخية المغربية، فلن يجد ما يشفي غليله فيما يخص تاريخ المغرب القديم، أو ما يسمى بتاريخ الأمازيغيين وثقافتهم وحضارتهم. فقد انصبت هذه الدراسات على التاريخ الوسيط، والتاريخ الحديث، والتاريخ المعاصر، مع غض الطرف عن أهم مرحلة حضارية في تاريخ المغرب هي فترة الممالك الأمازيغية في صراعها مع الرومان والوندال والبيزنطيين. وتسمى هذه المرحلة التاريخية أيضا عند الدارسين الغربيين بتاريخ شمال أفريقيا أو تاريخ البربر أو تاريخ الأمازيغ قبل دخول المسلمين إلى تامازغا. بل وصفت هذه المرحلة بالجاهلية في بعض الدراسات العربية؛ لأنها فترة سبقت دخول الإسلام إلى المغرب، كما يبدو ذلك جليا في كتاب (الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه) لعباس الجراري، حيث عنون الفصل الأول ب(وجود المغرب الحضاري والثقافي في العصر الجاهلي)[2]. علاوة على ذلك، فقد كانت أغلب الدراسات التاريخية والأدبية تبدأ بعصر الفتوح في تحقيب تاريخ المغرب وتدوينه، كما فعل عبد الله كنون في كتابه (النبوغ المغربي في الأدب العربي)[3]، حيث استهل كتابه القيم بعصر الفتوحات الإسلامية، منتقلا من دولة الأدارسة، مرورا بالمرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين، وصولا إلى الدولة العلوية في مختلف مراحلها التاريخية، ناسيا أهم فترة في تاريخ المغرب، وهي فترة الأمازيغيين التي تعد مرحلة مهمة للتعرف على حضارة المغرب القديم، ورصد إسهامات الأمازيغ الحقيقية في بناء الحضارة الإنسانية بصفة عامة، والحضارة المتوسطية بصفة خاصة. وفي هذا الإطار، يقول عباس الجراري: " من بين قضايانا التاريخية والفكرية، تبدو قضية مغرب ما قبل الإسلام ذات أهمية كبيرة، لما صادف هذا المغرب عند المؤرخين المغاربة والمسلمين عامة من إهمال يكاد أن يكون تاما. والسبب في هذا الإهمال راجع إلى الفكرة التي انطلقوا منها في التأريخ له، والتي وهموا فيها أنه ولد مع الفتح الإسلامي، وإنه لم يكن له من قبل أي وجود. فكان أن عرضوا عن تلك الفترة، وغدا التاريخ عندهم بالنسبة للمغرب لا يبدأ إلا مع الفتح. وهذه الدراسة عن شخصية محورية في التاريخ الأمازيغي وهي شخصية الملك يوبا الثاني، ولد أغسطس أو يوبا أو جوبا الثاني (Juba2) في مملكة نوميديا، وهو ابن ملك يوبا الأول الذي قاوم الرومان مقاومة شرسة، ووقف في وجه خصمين لدودين من أبناء تمازغا هما: بوگود وبوكوس، وقد استولى على مملكتيهما، واسترجع أملاك أبيه يوبا الأول[4]. وبعد هزيمة يوبا الأول أمام القوات الرومانية، أسر يوليوس قيصر ابنه يوبا الثاني الذي كان طفلا صغيرا بين خمس وسبع سنوات، فحمله إلى روما، حيث نشأ في البلاط الفاخر، وعاش في كنف الإمبراطور أغسطس خلف قيصر، فعلمه الفنون والآداب والعلوم وشؤون الحكم في مدارس روما وأثينا ومعاهدهما. ونظرا لمكانة يوبا الثاني الثقافية، وصدق ولائه، وإخلاصه للإمبراطور الروماني القيصر أوكتافيوس، فقد أجلسه هذا الأخير على عرش موريطانيا الغربية؛ نظرا لما قام به من خدمات جليلة لصالح شعبه. وبالتالي، حكم يوبا الثاني خمسين سنة في ظل الحماية الرومانية. ولم يضيع هذه السنوات إلا فيما يعود على شعبه الوفي بالخير والسؤدد والهناء. وبالتالي، "عرفت أيامه بالاستقرار والهدوء حتى توفي سنة23م، ليخلفه ابنه بطليموس الذي نهج سياسة أبيه في توحيد الأمازيغيين، وتحقيق آمالهم وطموحاتهم.