القصة القصيرة جدّا، المعروفة اختصاراً بـ «ق ق ج»، شكل تعبيري جديد في أدبنا المعاصر، ما زال «يناضل» لتبوّء مكانة معتبرة ضمن الفنون الأدبية التي تؤثث المشهد الثقافي العربي اليوم، ولكسب المتلقي بعد إقناعه بمشروعية ذلك القص، وبحقه في أن يوجد وفي أن يعبر به كما يجري التعبير بسائر أجناس الأدب المعروفة، ولاسيما في زمننا الحاضر الذي يعد...
قراءة الكل
القصة القصيرة جدّا، المعروفة اختصاراً بـ «ق ق ج»، شكل تعبيري جديد في أدبنا المعاصر، ما زال «يناضل» لتبوّء مكانة معتبرة ضمن الفنون الأدبية التي تؤثث المشهد الثقافي العربي اليوم، ولكسب المتلقي بعد إقناعه بمشروعية ذلك القص، وبحقه في أن يوجد وفي أن يعبر به كما يجري التعبير بسائر أجناس الأدب المعروفة، ولاسيما في زمننا الحاضر الذي يعد إيقاع السرعة أحد معالمه الـمميزة. ولذا، فالحاجة ماسة إلى مراكمة الإبداعات في «ق ق ج» مراكمة تراهن على الجودة والأصالة والنضج بمقدار ما تراهن على الكم، وإلى إنجاز نقود وتنظيرات مواكبة تدرس المنجز القصصي القصير جداً وتحلله وتقومه، وتقعد له انطلاقاً من مساءلة الإبداع المتحقق بعيداً عن أي إسقاط لخواص «ق ق ج» ومقاييسها، كما تمارس في الآداب الأخرى، على إبداعات العرب في هذا المجال. وهذا العمل، الذي بين يديك، إسهام نقدي تنظيري لأحد أبرز دارسي «ق ق ج»، على الصعيد العربي، الذي سبق أن أتحفنا بأبحاث وكتب جادة في نقد هذه القصة، ومعالجة نصوصها تيماتيكياً وجمالياً وتقنيا، ومحاولة تقنينها .. إنه د. جميل حمداوي؛ الأديب متعدد الاهتمامات، صاحب التآليف العديدة، والعارف بأسرار «ق ق ج» ودروبها ومساراتها وكل ما يتمحض لكينونتها. إن هذا الكتاب، بفصليه الرئيسين، محاوَلة نقدية رصينة – تنضاف إلى محاولات أخْرى، في المشرق والمغرب، حملت الهمّ التنظيري نفسه – لتقعيد «ق ق ج»، عربياً؛ ببيان أصولها وخصوصياتها وجمالياتها وشروط تحققها الكتابي بنجاح، سواء من الناحية المعنوية أو المبنوية، مع الإلحاح على ضرورة أن يعي هذه المقومات كل منَْ مبدع تلك القصة وقارئها. ومِنْ هُنا، تتبدى لنا قيمة كتاب حمداوي وأهميته معاً، لاسيما مع النقص الملحوظ الذي تعرفه المكتبة النقدية العربية في هذا الجانب .