تتعدد حالات الحطام التي مرّ بها اللبنانيون منذ نحو ثلث قرن. بدأ الحطام سياسياً وراح يمتدّ، بل يتفشّى، بحيث أصبح حطاماً اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً.في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تمكن بعض الناس من اللبنانيين، رغم كلّ الحطام المحيط بهم، من كل حدب وصوب، أن يواجهوا بعض الحطام النفسي، وهو الأخطر. تمكنوا أن يواجهوه بسلاح من...
قراءة الكل
تتعدد حالات الحطام التي مرّ بها اللبنانيون منذ نحو ثلث قرن. بدأ الحطام سياسياً وراح يمتدّ، بل يتفشّى، بحيث أصبح حطاماً اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً.في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تمكن بعض الناس من اللبنانيين، رغم كلّ الحطام المحيط بهم، من كل حدب وصوب، أن يواجهوا بعض الحطام النفسي، وهو الأخطر. تمكنوا أن يواجهوه بسلاح من نوع آخر، وهو سلاح القلم والصوت والإيقاع، سلاح الآداب والفنون؛ سلاح الكلمة واللون والنغم. ولعل هذا النمط من العمل هو العنصر الباقي الوحيد الذي أراد الكشف عنه أمين ألبرت الريحاني في عمله الموسوم بـ "تجاوز الحطام" والذي يمكن أن يشكل إضافة ضمن الآداب الإنسانية بمعناها الواسع والمتشعب. يتساءل الكاتب:"فأين هي تلك المحاولات لتجاوز الحطام؟ أو ما هي النماذج التي تشير إلى شيء من ذلك التجاوز؟ صفحات هذا الكتاب تسعى لرصد نقدي لملامح الحركة الأدبيّة، ماضياً وحاضراً، في الزمن الموجع، بل في كل الأزمنة الموجعة، أزمنة الدمار المكثّف والحطام الداخلي الذي يحاصرنا، عن عمد أو غير عمد، لكنّه يستصرخنا للمواجهة الفكرية، وللتصدي الأدبي، من أجل تجاوز الحطام والإبقاء على جذور مضيئة، مهما كانت صغيرة، علّها تنير الطريق.قد يسأل سائل: ما علاقة الآداب والفنون بحُطامنا المتراكم؟ وقد يجيب أحدهم: ربما كالعلاقة بين أرض وشمس. لا بدّ من الواحد أن يدور حول الآخر، وإلا فكارثة الظلام الفكري واقعة لا محالة. فلنحافظ على ما تبقى من هذه الشعلة كي لا تقع الكارثة. اللجوء إلى القلم، كاللجوء إلى الريشة والإزميل، أو اللجوء إلى النغم عزفاً أو إنشاداً، هو الملاذ الأخير، ولا ملاذ بعده سوى موت آخر". بهذه العبارات التي هي حصيلة نوع من النظر النقدي، المستند إلى خلفية معرفية نظرية وممارسة تطبيقية في مقاربة الواقع اللبناني المعاش يتقرّى المؤلف عدداً من الأعمال الأدبية الروائية والشعرية والفكرية لنخبة من الروّاد في هذا المجال، يعيد قراءة نتاجاتهم وإبداعاتهم بكل ما تنطوي عليه نصوصهم من دلالات ومحمولات وإشارات، سواء على مستوى الحكاية أو الخطاب، موضحاً تجربة كل أديب ولغته ودوره في نقل صورة ذلك الزمن الموجع.يبقى أن نشير أن الرواد الذين تناولهم الكتاب هم: إميل معلوف، الشيخ عبد الله العلايلي، أنطوان غطاس كرم، أمين الريحاني، هشام شرابي، فؤاد سليمان، خليل رامز سركيس، جميل جبر، سعيد عقل، شوقي أبي شقرا، ندى الحاج، عبده لبكي، جوزف عيساوي، حنان عاد، جوزف أبي ضاهر، جوزف نجيم، رياض فاخوري، جورج شامي، مي منسّى، شوقي خير الله، أنيس مسلّم، محمد ماضي، دياب يونس، جورج مغامس، كمال يوسف الحاج، مي زيادة، نعوم مكرزل... وآخرون.