كلما ازداد الإنسان علماً ووعياً باحتياجاته كلما نظم علاقاته الاجتماعية البشرية، كلما حصل على الرفاهية والتوازن في حياته، والسعادة، وتحقيق الاحتياجات تبقى هي غاية الإنسان في مجتمعه البشري للوصول لتنظيم بشري ومادي أفضل، فالتشتت يهدر الطاقات والعشوائية تدمر والموارد محدودة دوماً والعبئية لا تحقق نمواً واستمراراً، لذلك ارتبطت الحضار...
قراءة الكل
كلما ازداد الإنسان علماً ووعياً باحتياجاته كلما نظم علاقاته الاجتماعية البشرية، كلما حصل على الرفاهية والتوازن في حياته، والسعادة، وتحقيق الاحتياجات تبقى هي غاية الإنسان في مجتمعه البشري للوصول لتنظيم بشري ومادي أفضل، فالتشتت يهدر الطاقات والعشوائية تدمر والموارد محدودة دوماً والعبئية لا تحقق نمواً واستمراراً، لذلك ارتبطت الحضارة الإنسانية بالتنظيم، والتنظيم يبدأ من نظم العقد أي من الترتيب ويتدرج في نظم العلاقات والطاقات والحقوق ولغة التواصل ويمر بتنظيم المدن والبناء والهندسة والأدوات والتقنيات، ليصل لتنظيم العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وهو يشكل ركناً استراتيجياً من أركان الوعي الحضاري الذي يعكس صورة الله منظم الكون وخالقه ومبدعه ومرتب كل القوى وتوازنها وتجددها.والتنظيم اليوم جزء من أركان الإدارة التي توصفت علومها ووظائفها لضبط تجمعات البشر الهادفة، والتجارب دلت على أن هذه الوظيفة هي الأكثر ضرورة وحاجة في ضبط حياتنا البشرية الحضارية.نحن البشر نبني حضارتنا من خلال الوعي والحاجة ونمو قدرتنا على التعرف على قوانين الطبيعة والمجتمع وإدارة مواردها نحو تنظيم إنساني أفضل لمقدراتها، وكذلك القيام بدور تنظيمي توجيهي مكمل للأنظمة الإنسانية والمادية التي نعيشها، ولكن هل التنظيم في الحياة الإنسانية والبشرية هو حالة تطويرية تلقائية أم حالة إرادة حضارية قد تنمو أو تتراجع أو تصطدم بعوائق عديدة؟ هل العقول التنظيمية تبنى بسهولة؟ من هم المنظومة في العالم؟ كيف بنيت الأهرامات؟ وكيف بنيت العلاقات التجارية؟ ونظمت الجيوش وحدثت الحروب وحتى الدول في عصور قديمة كالحضارة اليونانية التي حددت مفاهيم الدولة والسلطة والديموقراطية، واليوم من يبني وينظم قوانين الشركات والمحاسبة والتطوير الإدارية والموارد البشرية والتعليم؟ من ينسق تلك الأنظمة المختلفة في المجتمع؟أولاً ما هو التنظيم؟ وما هو الفكر التنظيمي؟ وما هي قوانينه وآلياته؟ هل هو حالة في الإدارة أم توجه؟ وهل وظيفة التنظيم التنسيق بين الأقسام والوظائف والصلاحيات أم حالة إبداعية مبادرة تقوم بدراسة الحالات واقتراح وتطوير أنظمة عمل مهام خاصة بها؟ متى نقول أن هذا العقل أو الفكر تنظيمي؟ ومتى نرى أنه متوازن وفعال؟ ومتى نقول بأن هذا التنظيم مهترئ أو محدد أو هو غير قادر على النمو والتطوير؟ هل التنظيم حالة أنشئت حتى تبقى ثابتة أم يصيبها الترهل والضعف والاختراق وهي بحاجة لتطوير دائم؟وفي الواقع العملي لمجتمعاتنا اليوم، لماذا نلاحظ أن معظم شركاتنا تعيش أنظمة إدارية مخترقة مهترئة لا تطور نفسها بسهولة، وأصبح دورها سلبياً على التنظيم.عن هذه التساؤلات يجيب الكتاب الذي بين يدينا والذي سعى لتملس جذور الفكر التنظيمي والنظر للحضارة الإنسانية البشرية وتنظيماتها السياسية والقبلية والزراعية والتجارية ونظم البناء والقانون وذلك لإيجاد الخيط الرابط للفكر التنظيمي عبر العصور، ليستطيع أن يعكس هذه الوظيفة الإنسانية العليا في مجتمعاتنا اليوم التي تعيش حالة التضارب بين الأهداف والتقنيات والرقي والمصالح ندرة الموارد واستهلاك البيئة والتكاثر البشري السريع في هذا الكون الذي بدأت موارده تنضب وتتشوه بسرعة مذهلة.