بدو أن تدريس مواد التفكير الإسلامي أمراً سهلاً في الظاهر، فإنه في الحقيقة من أصعب ما يبتلى الإنسان بالقيام به، وذلك لإنفتاح هذه المادة على كل مجالات حياة الإنسان، وتناولها لكل جوانب وجوده الفكرية والإجتماعية والسلوكية... فكان المدرّس لهذا العلم كمن يطالب بتدريس كل المواد الأخرى ضمنا إن لم يكن علناً.التفكير الإسلامي والتربية الإس...
قراءة الكل
بدو أن تدريس مواد التفكير الإسلامي أمراً سهلاً في الظاهر، فإنه في الحقيقة من أصعب ما يبتلى الإنسان بالقيام به، وذلك لإنفتاح هذه المادة على كل مجالات حياة الإنسان، وتناولها لكل جوانب وجوده الفكرية والإجتماعية والسلوكية... فكان المدرّس لهذا العلم كمن يطالب بتدريس كل المواد الأخرى ضمنا إن لم يكن علناً.التفكير الإسلامي والتربية الإسلامية ينهلان من منابع نقلية وعقلية معاً، فالنص قرآناً وسنّة، ثم إجتهادات العلماء المسلمين عبر التاريخ، تجعل من عملية إستيعاب المدرّس لمضامين هذه الأصول عملية صعبة فشل أغلب المعلمين في تحقيقها، فكان الغالب على من يدرّسون هذه المادة إما حفظهم للأصول النقلية دون العقلية وإنقلابهم بالنتيجة وعّاظا شكليين يقدمون الأقوال دون إقتدار على تحليلها وإستثمارها؛ فكانوا بمثابة من يقدم مادة خاما ولكن إلى من لا يقدر على تصفيتها وغربلتها والإنتفاع باه، وهل يقدر التلميذ على ما يعجز عنه الأستاذ؟.في حين عجز صنف آخر عن حفظ النصوص، واكتفى في المقابل بإستيعاب بعض القراءات والإجتهادات القديمة منها والحديثة، فكان تعليمهم أقرب إلى تقديم النظريات الفلسفية والمقولات الإنسانية العقلية ذات الطابع الظني حيث ما أغنى الظن عن الحق شيئاً.ولقد انتبه المشرفون على حظوظ المواد الشرعية إلى ضرورة المزاوجة بين النقل والعقل، بين النص والإجتهاد، كما أنهم تفطنوا إلى أن غلبة الحفظ للنقول على المدرّس تجعل دروسه وعظية خطابية لا قدرة لها على تغيير عقول، وعلى تقديم الفهم العميق الذي ينفذ إلى أعماق الذات، ويوقظ الفكر وينبه القلب.كما أن غلبة النظر الفكري في مسائل الدين دون إستناد إلى قاعدة نصية راسخة، كفيل بأن يجعل القرآن الكريم والسنّة الشريفة أكثر الغائبين عن دروس أولئك الذين تساهلوا في تحصيل هذين الشرطين اللذين لا يصحّ بدونهما الخوض في مسائل العلم الشرعي ناهيك عن تعليمه، وهل الشرع إلاّ القرآن الكريم والسنّة الشريفة؟.إلا أن الإنتباه إلى هذا الخلل والذي تجلّى في دعوة المختصّين في هذا الشأن إلى ضرورة التوحيد بين المنهجين النقلي والعقلي، وبين الطريقتين "التقليدية" و"الحديثة"، كان في الإغلب الأعم مجرّد أقوال لم تصل إلى مستوى التطبيق والتحقق الفعلي، وذلك لإفتقادها لأمر هو جوهر هذا المطلوب كلّه، ذلك هو الإنجاز الفعلي لنظريات التفكير الإسلامي القائمة مضموناً على عقائد النصّ المقدّس قرآناً وسنّة، وشكلاً على ترتيبات العقل أي على نظام من المعقولية يجعلها قابلة لأن تفهم أولاً فهماً عميقاً وسليماً، ولأن تنتقل ثانياً بواسطة التعليم من شخص إلى آخر.وهدف هذا الكتاب، وطموحه المرجوّ بإذن الله تعالى، أن يقدّم أهمّ نظريات التفكير الإسلامي القائمة على عقائد عقيدة التوحيد الراسخة المتينة، تقديماً منهجياً نظرياً يتجنب آفات الخطاب الوعظي من ناحية كما يتجاوز ظنون الخطاب العقلي المتوهّم نفسه شرعياً من ناحية ثانية، وذلك عبر التركيز على إستخراج النظرية من النص القرآني نفسه، من آياته وسوره ومعانيه الحكيمة.