نبذة النيل والفرات:لقد كان الإسكندر، أول ما نسمع عنه، وحيداً، ولا يعني ذلك أنه ترك وشأنه، كلا، فقد بقي الناس قربه دائماً. كان وحيداً فيما هو أشد رغبة في القيام به، وكان وحيداً فيما هو أشد رغبة في القيام به، وكان وحيداً في أفكاره.وكان الشيء الذي قدره أكثر من غيره هو نسخة من الإلياذة، أو بالأحرى قصة طروادة التي كان يقرأها في الليل...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:لقد كان الإسكندر، أول ما نسمع عنه، وحيداً، ولا يعني ذلك أنه ترك وشأنه، كلا، فقد بقي الناس قربه دائماً. كان وحيداً فيما هو أشد رغبة في القيام به، وكان وحيداً فيما هو أشد رغبة في القيام به، وكان وحيداً في أفكاره.وكان الشيء الذي قدره أكثر من غيره هو نسخة من الإلياذة، أو بالأحرى قصة طروادة التي كان يقرأها في الليل حتى حفظ أكثرها عن ظهر قلب. وكان يضعها بعد قراءتها تحت وسادته الخشبية لما تبقى من الليل، ولهذا فقد فكر كثيراً بأخيل، حتى أن أحد مؤدبيه لقبه بأخيل. وكان هذا الصبي، حين يرفع عنه السراج قبيل النوم، يسري مع أبطال الكتاب عابراً البحر، فينزل على ساحل غريب في الشرق. وكان ذلك الكتاب المدون على الورق شيئاً يخصه ولم يرد أن يشرك به أحد من عشيرته ومن أصدقائه أو من مؤدبيه أو حتى رجال الحرب المتمرسين فيها من أهل طيبة.وقد اختارت أمخ مؤدبيه الذين مرنوه على الإغريقية وعلى أمور أخرى كالبلاغة والمنطق، وكان يشرف عليهم ليونيداس الصارم قريبه من أمه. وكان هؤلاء يملأون ساعات نهاره، فينادونه قبل انبثاق ضوء النهار ليعدو مع غلام له مسافة معينة قبل أن يتناول طعاماً وكان أحد المؤدبين ينشد له عند الانطلاق "إن عدواً قبل انبثاق النهار يمنحك فطوراً جيداً، وفطوراً خفيفاً يمنحك غداءً حسناً"، فكان الصبي يعدو ألف خطوة إلى المقبرة وهو يحني ركبتيه قافزاً قفز رجال الجبال.وكان يرى عند نقطة الاستدارة عمود المزار الأبيض ويقرأ العبارة التي حفرت فيه: "أنا إله خالد لم أعد فانياً"، وكان هو والغلام يستخدمان العمود نصباً مؤشراً، فيعدوان من جانبه الآخر منحدرين إلى المدينة، فينصرف الصبي بشوق، إذ كان خيط الشمس المشرقة على حافة الجبل يعني عنده أن مركبة الشمس ترتفع من مرقدها في المحيط البعيد وتبدأ رحلتها في السماء، وعندما تتحرك السحب فوق الجبال كان يخيل إليه أنه يستطيع أن يرى رؤوس الخيل تنزع إلى فوق.وعند الأشجار الأولى من أشجار القصر حيث تنتهي مسافة الجري المقررة له، كان يوسع من خطواته ويسرع في مشيه أمام غلامه الذي يعدو معه إذ لم يرض لنفسه بالتقصير في المشي ولا كان الخادم يجرؤ على سابقه.وعندما كان يدخل القصر، يفرك يديه قرب اللهيب المتصاعد من نار المذبح، كان يشعر وكأنه لم يزل يحيي الشمس المنطلقة. ها هي ذي هناك في الشرق تحلق في أجواء الآلهة المرتفعة الذين لا يعرفون ظلاماً ولا يعلق بعيونهم الكرى.وكان يأخذ مسحوق البخور من العلبة ويذره بلا مبالاة فوق الجمر منتظراً فوحة الدخان المتصاعدة، وأجيج الجمر المتوهج ليدفئ به وجهه البارد، متمتماً "إلى الإله الأب، إلى ولده الذي ولد من الأفعى ذات القرون-ليرعياني ويحمياني". ولو فاه بهذه الكلمات في الظلام لكانت نفخة في الرماد.ولكنه فاه بها حين أخذ الضياء ينتشر ويشتد، لقد وجه كلماته إلى ذلك ما كان يفكر فيه من الرفقة السعدية للإلهين: زيوس وأفروديت الرشيقة في سيرها وانطلاقها، الإلهين الذين همسا بالمشورة في أذن أخيل.هكذا يتابع "هارولد لامب" قراءة سيرة الإسكندر المقدوني، وذلك في محاولة منه لإجلاء صورة هذا البطل المقدوني، ولتأليف صورة شاملة لكل ما لا بد أن يكون قد وجده المقدونيون في مخاطرتهم في الشرق.وما تجدر الإشارة إليه هو هذا الكتاب ليس إعادة خلق من الخيال إلا على أساس أن التفصيلات ألفت من مصادر مختلفة على الميدان ذاته، لتوحيدها في كل إنه محاولة النظر إلى الإسكندر كما كان آنذاك الرؤية ما كان يمكن رؤيته مما كان قيل الإسكندر في مسيرته الطويلة، وتقدير الناس، والمشكلات التي كان عليه أن يعالجها.