لم ينجب العرب منذ فجر تاريخهم إلى اليوم قائداً له مكانة القائد العظيم خالد بن الوليد وشهرته، فقد فتح ببضعة آلاف من قبائل العرب، على قلة في السلاح والعتاد، بلاد العراق وبعض إيران وبلاد الشام، وقهر إمبراطوريتى الفرس والروم اللتين كانتا في عصره سائدتين على العالم القديم بأسره، وانتصر انتصاراً مبيناً في معركة اليرموك التي كان لها ما...
قراءة الكل
لم ينجب العرب منذ فجر تاريخهم إلى اليوم قائداً له مكانة القائد العظيم خالد بن الوليد وشهرته، فقد فتح ببضعة آلاف من قبائل العرب، على قلة في السلاح والعتاد، بلاد العراق وبعض إيران وبلاد الشام، وقهر إمبراطوريتى الفرس والروم اللتين كانتا في عصره سائدتين على العالم القديم بأسره، وانتصر انتصاراً مبيناً في معركة اليرموك التي كان لها ما بعدها، وما بعدها كان عظيماً جليلاً. معاركه الكثيرة التي خاض غمارها في بضعة أعوام انتصر فيها جميعاً وما خذل بواحدة منها قط، فهو خالد خلود نابليون ويوليوس قيصر وهنيبعل والإسكندر وسواهم من أبطال وقادة الحروب، ولا يقل عن أحدهم عبقرية وشجاعة وسداداً في الرأي والتدبير.لقد أجمع المؤرخون على أن خالداً لم يسر بجيش إلا بعد تنظيمه في حالة المسير بشكل يتقي معه المفاجآت، ويكون جاهزاً للهجوم في أي مكان وزمان، وفي معركة اليرموك عبأ جيشه تعبئة لم يعرفها العرب من قبل، وأدهشت الروم والفرس، تكاد تماثل تعبئة الجيوش المنظمة في عصرنا الحالي، وأحسن استخدام الفرسان في الوقت والمكان المناسبين حتى تمت له الغلبة. وكان إلى هذا شديد الوطأة على العدو في أثناء القتال، حتى إذا تملك هذا الأخير الإعياء لحق به بسرعة وشدة حتى يشله ولا يترك له فرصة للم للشعث ومعاودة القتال، فهو يشبه من هذه الناحية القائد الفرنسي مانجان الذي اشتهر بشدة بطشه وقسوته على الأعداء.وكان خالد ذا روح عسكرية ممتازة، فعندما تلقي أمر الخليفة عمر بن الخطاب بعزله من القيادة، بعد أن كان سيد القيادة والسرايا، دون سبب موجب وتوليه أبي عبيدة بن الجراح مكانة رضخ لأمره بهدوء وقال قولته الشهيرة: "نحن هنا لنحارب في سبيل الله لا في سبيل عمر".ويرى بعض النقاد المتضلعين من فلسفة التاريخ، العارفين بنزعات النفس الإنسانية أن موقف خالد بن الوليد هذا كان من النبل والشهامة بحيث أنقذ العرب من الخذلان ربما كان قاضياً عليهم، إذ لو عصى خالد أمر الخليفة وانسحب بجيشه من ساحة القتال لتعذرت مواصلة الجيوش الأخرى ولعادت أدراجها إلى مواطنها دون عمل يذكر، ولو أنه عصى الأمر وأصر على استقلاله التام بالقيادة العامة لكانت الفتنة الكبرى في الجيش وما وراءها سوى الويل والثبور للعرب.عن هذا البطل الخالد تتحدث المؤلف في هذا الكتاب المخصص لتتبع سيرة خالد بن الوليد من الولادة وحتى الوفاة، مروراً بقيادته للجيش الإسلامي ومسيرته الجهادية ومساندته للإسلام حتى يوم عُزِلَ عن قيادة جيش المسلمين