كتب المؤلف في المقدمة : "لماذا أعبر من انتمائي" إليه؟ كيف انتقل من فلسطينيتي الى اسرائليتي! وهل سألتزم بأمانة الانتقال فلا اخلط بين نقيضين ولا أصير عدواً لي؟.. يحدث أن عبوري الى يهوديته في اسرائيل، لا يتناسب مع مواسم الدم الفلسطيني والانكسار العربي والضياع الثقافي وغلبة الفوضىواشتداد الظلامية القاسية.نبذة النيل والفرات:"لماذا أع...
قراءة الكل
كتب المؤلف في المقدمة : "لماذا أعبر من انتمائي" إليه؟ كيف انتقل من فلسطينيتي الى اسرائليتي! وهل سألتزم بأمانة الانتقال فلا اخلط بين نقيضين ولا أصير عدواً لي؟.. يحدث أن عبوري الى يهوديته في اسرائيل، لا يتناسب مع مواسم الدم الفلسطيني والانكسار العربي والضياع الثقافي وغلبة الفوضىواشتداد الظلامية القاسية.نبذة النيل والفرات:"لماذا أعبر عن انتمائي إليه؟ كيف أنتقل من فلسطينيتي إلى إسرائيليته؟ وهل سألتزم بأمانة الانتقال فلا أخلط بين نقيضين ولا أصير عدواً لي؟ يحدث أن عبوري إلى يهوديته في إسرائيل، لا يتناسب مع مواسم الدم الفلسطيني والانكسار العربي والضياع الثقافي وغلبة الفوضى واشتداد الظلامية القاسية.. يحدث أنني أجازف في الانتقال إلى العدو، وفلسطين بين يديه تموت كل يوم مراراً، وتنهض ضده وحيدة، وحيدة، وحيدة. يحدث أنني ذاهب إلى أن أكون يهودياً، والانتفاضة بحاجة إلى أن أكون فلسطينياً جداً. يحدث هذا.. فمن سيفهم رحلتي إليه والإقامة عنده وفيه ومعه من سيصفعني غداً؟ أصدقائي أولاً، والمتربصون بي طبعاً! ومع ذلك فلي أسبابي في هذا الانتقال الاختياري والمؤقت، كي أمتحن اليهودي في محنته، لأعيش هواجسه، لأعاين جراحه، لأتلمس يأسه، لأفهم أسئلته الوجودية، لأقنع بقلقه، لأفتش له عن مخرج، لانتظر معه "غودو" الذي سيزورنا دائماً ويقول: لن آتي أبداً. أريد أن أعرف إن كانت مأساته حقيقية، أريد أن أتأكد من عبث مصيره، فهو مصاب بخوف، يبدو أنه ينتمي اليوم إلى جيل الانهيار. أريد أن أقرأ الأسئلة التي طرحتها الانتفاضة الثانية عليه، أريده أن يحدثني عن الموت واللذة والحياة، عن الشتات والاقتلاع، عن الرغبة بالسلام والقتل معاً، عن الدافع إلى الاستيطان، عن العجز عن التقدم خطوة نحو المصالحة مع الذات والعالم. أريد أن أتعرف إليه إنساناً ولماذا هو مختلف. واختلافه ميزته وأزمته. إنه كائن مأزوم.. ولذلك أنا ذاهب إليه، لأكتشفه بكل أحاسيسه ومشاريعه وأحلامه وكوابيسه، لأرى معه إن كان النفق كالحاً ودائرياً".نصري الصايغ يتجاوز المألوف، يبحث عن طريقة لصياغة خلفيات ودوافع اليهودي ومن يحذو حذوه.. ويبحث عن كنه الأزمة اليهودية التي أثمرت ويلات العالم بصورة عامة، والفلسطينيين بصورة خاصة، يبحث عن كل ذلك من خلال تقمص الفكر اليهودي، والدخول في عمقه لمعرفة عقده وهواجسه. هو يمتطي مركبة الفيلسوف والأديب، والمحلل النفساني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي... والأهم هو يمتطي مركبة الإنسان العابر إلى هذا اليهودي، ليستطيع الكشف للآخر عن أسباب عذاباته ومأساته كفلسطيني من غير زيف ولا مواربة، فعند انتقاله إليه يصبح قادراً على فهمه والقبض على مشكلته، سيتعرف على اليهودي إنساناً يتعرض في الشتات، للعذاب والاضطهاد والمحارق والنبذ والعزل واللاسامية... سيجد ذلك في قاعه النفسي، وقد يرى في مواقفه من تاريخه مبالغة وتجارة متقنة، إلا أنه لا يستطيع إنكار عذاباته وعزلته ولجوئه القسري إلى الفيتو. إن مأساته حقيقية، في اصطدام ثقافته بثقافة مجتمعات مختلفة، وفي اصطدام مصالحه مع بنية ذهنية دينية اقتصادية يتحمل فيها عبء سلوكه وأعباء ردود الفعل والفعل إزاء انتمائه. ونصري الصايغ وعلى عادته في ملاحقة ومتابعة وقراءة كتاب يهود وفلاسفة متفوقين؟ قرأ ليرمياهو يوفل أيضاً يعبّر فيه عن مأساته. وهو يرى بأن هذا المفكر اليهودي اللامع، صاحب المؤلفات الفلسفية المعمقة، لدى كانط والفلاسفة الألمان، وقع بعد الانتفاضة الثانية في حالة انعدام الرؤيا: "إننا نعيش أسوأ أيامنا".. حالة حصار.. إننا نقرأ ألبير كامو. إنه الطاعون أبداً..ومن ناحية ثانية لم يكن متوقعاً أن يرمي يرمياهو يوفل، الشخصية الفكرية المرموقة في إسرائيل، رحى اليأس في معركة مصيرية لليهود، ولكنه فعل، فلدى قراءة نصري الصايغ رأى أنه لا بد من الانتقال إلى الضفة الأخرى، وهكذا فعل؛ لأن اليهودي، الذي يقرأ كامو على وقع الانتفاضة، يعيش حالة حصار وجودي. فأراد الصايغ أن يكون ذلك اليهودي، الباحث عن خلاصه ولا يجد الطريق إليه. وذلك من خلال التعمق بالأعمال الأدبية والفكرية لكتاب يهود وآخرين تناولوا قضية اليهود من قريب أو بعيد. وأخيراً، استرسالات الصايغ هذه تستحق المتابعة لعمقها الفكري والإنساني، ولموضوعيتها، ولكونها تحمل طرحاً يحمل سمة الوعي، ويقدم المخزون الفكري الثقافي لليهودي الذي نجهله.